الأسباب المدرسيَّة للمشاكل السلوكيَّة

ملل المُتعلِّم: لقد أمضى المُعلِّمون العديد من السنوات في جمع مخزون من المعرفة ذات القيمة بالنسبة إليهم، ويصبح هؤلاء المُعلِّمون مُتحمِّسين في عملهم عندما يشعرون بأن طلابهم متحمسون تجاه ما يُقدَّم إليهم. وليس هناك مُعلِّم يريد أن يكون لديه طلاب غير مهتمين، ولا يشاركون، ولا يؤدون الأعمال المطلوبة منهم.
بعض الطلاب لا يُقدِّمون أنفسهم على أنّهم أصحاب مشاكل سلوكيَّة، وذلك لأنهم قد اكتسبوا سلوكيات صفيَّة جيدة. فهم يجلسون بشكل مناسب، ويظهرون انتباههم من خلال التواصل بالعين، والإيماء برؤوسهم في كثير من الأحيان، كما يظهرون الاهتمام والمشاركة حتى في الأوقات التي يشعرون فيها بالملل.



ولكن هناك بعض الطلاب الذين لا يملكون هذه المهارات الجيدة التي تساعدهم في حياتهم المدرسيَّة، حيث يتصرَّفون لإشباع احتياجاتهم، وليس لديهم أيَّة رغبة في إخفاء مللهم، كما وأنهم لا يبدون اهتماماً بعواقب علاماتهم الضعيفة أو المتدنية المتمثلة في استدعائهم إلى مكتب المدير أو الاتصال هاتفيا بولي الأمر. ومعظم المُعلِّمين يشعرون بالغضب والضجر من هؤلاء الطلاب، وينظرون إليهم بوصفهم طلاباً يضيعون وقتهم، ومثل هؤلاء الطلاب يحصلون على المتعة والسرور من خلال إثارة غضب المُعلِّم، بينما يشعر المُعلِّم بالرضا عندما يتمكَّن من الإمساك بالمُتعلِّم وهو يمارس سلوكاً سيئاً وعندما يستمر هذا التفاعل، فإن ذلك قد يترتب عليه نزاع أو خلاف. وغالباً ما يلجأ المُعلِّم بوعي أو بدون وعي إلى وصف المُتعلِّم بصفة سلبيَّة، وعندئذ سيتهم المُتعلِّم المُعلِّم بأنه يضايقه على نحو غير منصف ومن ثم أصبح لدينا مشكلة سلوكيَّة وكلاهما يتحمل مسؤولية حدوثها.

الإحساس بالعجز:

يُعَدُّ عجز المُتعلِّم عن إظهار قدراته عاملاً آخر من العوامل التي تسبب المشاكل السلوكيَّة الصفيَّة أو المدرسيَّة، فبعض الطلاب يتمردون على الأنظمة كطريقة للتعبير عن عجزهم. وفي معظم المدارس. يخبر الطلاب بالأماكن التي يجب أن يذهبوا إليها، وماذا يتعلَّمون؟ وكيفيَّة تقويم تعلُّمهم. وهذه القرارات كلها تتخذ من قِبَلِ إدارة المدرسة. وغالباً ما يستثنى المُتعلِّم من المشاركة في اتخاذ هذه القرارات. وتكون النتيجة هي أن تضع مجموعة ما أنظمة وإجراءات تُحدِّد فيها معايير السلوك المقبول لمجموعة أخرى، لا يكاد يكون لها أيَّة إسهامات في هذا المجال، الأمر الذي يولد الغضب والثورة لدى الطلاب لعدم مشاركتهم. فالمدارس التي تستثني الطلاب من اللجان الخاصة بوضع الخطط والأنظمة الصفيَّة أو المدرسيَّة، تتعرض لخطر كبير يتمثل في عدم الرضا على نطاق واسع عن هذه الأنظمة، التي ينظر إليها على أنها عشوائية، وغير منصفة.

الحدود غير الواضحة:
كحد أدنى، فإنه يتعين على المُعلِّمين والمسؤولين الإداريين أن يعلّموا الطلاب محكات السلوك المقبول قبل أن تتم مخالفتها، وبما سيحدث عند مخالفتها. غير أن الذي يحدث هو تقديم أنظمة غير واضحة للطلاب وعقوبات لها أقل وضوحاً. وفي معظم المدارس يتم تشجيع الطلاب بشكل غير مقصود على مخالفة الأنظمة، لأنهم لم يبلغوا بها مُسبَقاً. وعندما تكون الحدود غير واضحة، فإن الطلاب سيختبرون النظام لكي يعرفوا ماهيته والمدى الذي يستطيعون الوصول إليه. وحتى نمنع محاولة الطلاب بما يسمى فحص الحدود، وتشرح الحالة الآتية الحاجة إلى أنظمة وعقوبات واضحة.

طالب في المرحلة المتوسطة كان لديه مشكلة الشجار مع الطلاب الآخرين، وقد اكتشف أنه يوجد في دليل المُتعلِّم إشارة إلى قانون خاص بعدم الشجار إلا أنه لا يوجد أيَّة إشارة إلى العقوبة المترتبة على القيام به. وكشفت مقابلة مع المدير أن العقوبات الحقيقة غير المكتوبة لهذه المخالفة، تتراوح من قيام المُعلِّم بمعالجة المشكلة بنفسه مع المُتعلِّم دون تحويله إلى جهات أخرى، إلى تحدثه إليه، ومن ثم إلى فصله عن المدرسة مدة يوم واحد. ولأن الشجار أصبح مشكلة خطيرة، وفقد اقترح أعضاء الهيئة التعليميَّة حلا فورياً ومؤقتاً لها وهو أنه إذا تشاجر طالب مع غيره في المدرسة فسيفصل مدة تتراوح بين يوم واحد وخمسة أيام حسب حدة المخالفة، ولن يسمح للطالب بالعودة إلى المدرسة حتى يضع خطة مكتوبة، يبين فيها كيف سيتصرَّف في مثل هذا الظرف لو تكرر مرة ثانية بالإضافة إلى ذلك، فإنه لا بد من الاجتماع مع ولي الأمر قبل أن يعود المُتعلِّم إلى المدرسة.

لم يبد مدير المدرسة ارتياحاً إزاء هذه الوصية في البداية، وذلك لأنه يعتقد بأن الفصل المؤقت للطالب من المدرسة "يُعَدُّ استجابة غير فاعلة لمخالفة المُتعلِّم" ويعتقد أيضاً أن إعطاء المُتعلِّم المخالف إجازة بوصفها عقوبة رادعة لا يجدي.

إننا نعتقد بأنه إذا وافق جميع المُعلِّمين على هذا الإجراء، فإنه يستحق المحاولة. علاوة على ذلك، فإننا نشعر بأنه من حق الطلاب (والمُعلِّمين) أن يحضروا إلى المدرسة غير قلقين على أمنهم وسلامتهم. فإذا كان الناس خائفين، فإن قدرتهم على التعلُّم (والتعليم) تتأثر بشكل كبير. وإذا اختار طالب ما سلوك المشاجرة، عندئذ فإنه يكون قد تعدى على حقوق سلامة الآخرين، ومن ثم فإنه اختار أن يحرم الدوام في المدرسة مدة مؤقتة.

وبسبب شعوره باليأس، وافق المدير بتردُّد على محاولة تنفيذ هذه الخطة حيث قام بالالتقاء مع جميع الفرق في المدرسة، الفرق التي قامت بدورها بتقديم هذه الخطة للطلاب. وباختصار، فإن المدير حدد القانون، وحصل على الدعم من أعضاء الهيئة التعليميَّة، وأخبر الطلاب بشكل مُسبَق بما سيحدث في حالة وقوع شجار.

كانت النتيجة أنّ حوادث الشجار زادت في الأيام القليلة الأولى من بدء تنفيذ الخطة، غير أنه بعد مرور أسبوع واحد على تنفيذها، فإن عدد مرات حدوث الشجار أخذ ينخفض حتى اقترب من الصفر. لقد احتاج الطلاب إلى اختبار القانون، وعندما وجدوا أنه يُطبِّق بحزم توقفوا عن مخالفته.


عدم وجود طرائق للتنفيس عن المشاعر:
ثمة مصدر آخر للمشاكل السلوكيَّة وهو عدم وجود متنفس مقبول للتعبير عن المشاعر. نقول للطلاب دائماً، لا تركضوا، لا تتشاجروا، لا تلقوا ببقايا الطعام على الأرض. وكثير من المُعلِّمين لديهم قوانين تبين للطلاب ما يجب ألّا يفعلوه، ولكنهم نادراً ما يعلمونهم أبدالاً لهذه السلوكيات. إننا نفترض بأنهم يعرفون كيف يتصرَّفون بشكل مناسب، وننسى أن ذلك يحتاج إلى مهارة وتدريب كي يتعلَّموا ما يجب أن يفعلوه بدل الشجار. إن الطلاب يحتاجون إلى مهارات عاطفيَّة وسلوكيَّة، وفكريَّة لإتباع الأنظمة والقوانين.


(الاعتداء) أو الهجوم على الكرامة:
وأخيراً، والأهم هو أن معظم الطلاب الذين يكون لديهم مشاكل سلوكيَّة مزمنة يعتقدون بأنهم لا يستطيعون أن يكونوا ناجحين في المدرسة. ويبدو غالباً أن مثل هؤلاء الطلاب يستسلمون حتى قبل أن يحاولوا. وهم لا يعتقدون بأنه يمكنهم أن يلقوا الانتباه والفهم اللذين يحتاجون إليهما للتحصيل المدرسي. وينظرون إلى أنفسهم كخاسرين، وقد توقفوا عن محاولة الحصول على القبول في المجموعة. وتتمثل رسالتهم إلى ذواتهم فيما يأتي: "بما أنني لا أعرف بأي شيء آخر سوى الإخفاق، فإنني سأحمي نفسي ضد الاعتداء على مشاعري أو كرامتي. وعدم قيامي بأي شيء هو أفضل من النظر إلى كشخص غبي".

ويتعلَّق بموضوع مفهوم الذات عنصر المحافظة على كرامة المُتعلِّم. فعندما يعتدى على كرامته، فإنه سيحمي نفسه بأية وسيلة ممكنة، حتى لو كانت هذه الوسيلة على حساب علاقته مع المُعلِّم أو ربما على حساب تعليمه.