إنشاء ثقافة امتثال توفِّر الأمان والاحترام في مكان العمل

يعمل قادتك ومديروك والمساهمون بجد، وتعمل المؤسسات كل يوم معاً لإيجاد طرائق لزيادة الإيرادات وتخفيض النفقات وإنشاء مكان عمل أكثر إنتاجية وجاذبية، ولكن للأسف، قد يذهب كل هذا الجهد هباءً منثوراً بسبب بعض الموظفين المهملين أو غير المحترمين.


وفقاً لإحدى الدراسات، رُفعت في عام 2019 لوحدها "7514" قضية تحرُّش، كلَّفت الشركات 68.2 مليون دولار، وهذه تكلفة ضخمة، وعند احتساب قضايا التحيز، وإنهاء عمل الموظفين دون وجه حق، ومطالبات السلامة في مكان العمل، تصبح عواقب تجاهل أهمية الامتثال مكلفة للغاية، ناهيك عن تكلفة سمعة العلامة التجارية (والتي قد تكلف في النهاية أكثر من ذلك بكثير).

لماذا يُعدُّ الامتثال في مكان العمل تحدياً مستمراً؟

صُمِّمت كل لائحة يجب على الشركة اتباعها بحيث يكون لها تأثير إيجابي، سواء كان ذلك لجعل العملية أكثر أماناً أم حماية العملاء، أم الموظفين.

يؤدي ذلك في بعض الأحيان إلى تعقيد العمليات أكثر على الأمد القصير، وينتج عنه فوائد كبيرة على الأمد الطويل، ولكن قد يكون من الصعب جداً على الموظفين إدراك هذه الحقيقة، مما يجعل التدريب على الامتثال في نظرهم مصدر إزعاج أكثر من كونه مصدر إفادة.

قد يكون من المغري توفير الوقت والمال، أو تنفيذ المهام بالطريقة المعتادة دائماً، ولكن قد يؤدي عدم الالتزام باللوائح إلى تداعيات مُكلفة.

بالنسبة إلى بعض المؤسسات، يُعدُّ الحفاظ على الامتثال أمراً محبطاً، ويبدو أنَّه يُسبِّب العديد من المشكلات الصغيرة والكبيرة، مثل عمليات التدقيق والتحقيقات والدعاوى القضائية والتسويات باهظة الثمن، وبالنسبة إلى الآخرين، نادراً ما يُشكِّل الامتثال أي مشكلة، وفي حال ظهرت مشكلة ما، تُعالج بسرعة قبل أن تتفاقم.

كيف تتعامل شركتك مع مشكلات الامتثال؟

إن كانت شركتك تفشل في معالجة مشكلات الامتثال، فربما يحتاج فريقك إلى البحث بحثاً عميقاً للعثور على جذر المشكلة.

ما سبب مشكلات الامتثال؟

عندما تكون هناك مشكلات مستمرة مثل التنمر والتحرش أو إهمال بروتوكولات السلامة أو استخدام البيانات المحمية بلا مبالاة، عليك البحث في جذور المشكلة وإيجاد حل سريع لها بدلاً من مجرد معرفة ما إذا كان هناك التزام بالقواعد أم لا.

إذا تجاهل الموظفون تدريب الامتثال أو لم يحملوه على محمل الجد، فانظر في الأمر، واسأل نفسك عما إذا كان قادتك ومديروك يُظهرون سمتين رئيستين: الاحترام والنزاهة.

في الواقع، افعل أكثر من مجرد أن تسأل نفسك؛ بل اسأل فِرقك، واستخدم أدوات استطلاع تُحافظ على سرية من يُدلون بآرائهم لمعرفة ما إذا كان الاحترام والنزاهة موجودَين في كل مكان في ثقافة شركتك.

إذا كان قادتك يميلون إلى توفير الوقت والمال، أو يتحيزون في تعاملهم مع الآخرين، أو لا يكترثون لإجراءات السلامة في مكان العمل، فسيؤثر ذلك في كيفية رؤية كل موظف لموقف المنظمة من الامتثال، وربما يسهل تبرير السلوك غير الأخلاقي عندما يتساهل القادة في مثل هذه الأمور.

يقول كيث دارسي (Keith Darcy) كبير المستشارين في شركة ديلويت وتاوتشي (Deloitte & Touche): "تُمثِّل ثقافة النزاهة الإيجابية الأساس لإعداد برنامج فعَّال يهتم بالأخلاقيات والامتثال على الأمد الطويل، والذي إن طُبِّق تطبيقاً صحيحاً في المنظمة، قد يخلق ميزة تنافسية ويكون بمثابة مكسبٍ ثمينٍ للمنظمة".

يجب أن تظهر الاحترام والنزاهة في أعلى مستويات الشركة إذا كنت تتطلع إلى تحويل ثقافتك إلى ثقافة تُقِّدر الامتثال حق تقديره.

تؤدي ثقافة السلامة والأمان إلى أداء أفضل

يجب أن يكون واضحاً أنَّ الموظفين الذين لا يشعرون بالأمان جسدياً أو عاطفياً في مكان العمل لن يكونوا قادرين على تقديم أفضل أداء لديهم؛ فعندما تسمح الثقافة للتحرش أو الظروف غير الآمنة بالمرور دون محاسبة، تصبح الخسائر الناتجة عن تدهور الإنتاج باهظة الثمن مثل الدعاوى القضائية.

عندما يهتم الناس بسلامة ورفاهية بعضهم بعضاً؛ فإنَّهم سيحاولون إصلاح أو تنظيف الأشياء التي ربما لم تكن خطأهم، لنفترض أنَّ موظفاً وجد سائلاً منسكباً في مكان ما، تساعده النزاهة على إدراك أنَّه يجب عليه تنظيف المكان لحماية الآخرين من السقوط حتى لو لم يكن هو من تسبَّب في تسرُّب هذا السائل.

في حالة التحرش، من الشائع جداً أن يقف المتفرجون مكتوفي الأيدي خشية الانتقام منهم سواء من قِبل المتحرِّش أم المنظمة في حال أبلغوا عما شاهدوه.

في ثقافة لا تُقدِّر النزاهة، من السهل جداً على الناس تجاهل المشكلات وتوقُّع إصلاحها من قِبل شخص آخر.

الامتثال هو في الحقيقة النتيجة النهائية وأحد فوائد الثقافة التي يهتم فيها الموظفون بمصالح بعضهم بعضاً، بدلاً من الاهتمام بمصالحهم الخاصة فقط.

لا تدع التدريب على الامتثال يقف حجر عثرة أمام تقدُّمك

قد تقول: "كل هذا رائع، ولكن كيف نُطبِّق هذه القيم باستمرار مع مواكبة التدريب على الامتثال لعمليات التدقيق؟".

يجب ألا تكون إدارة التدريب عملاً شاقاً، خاصة عندما يحين وقت عمليات التدقيق؛ فهناك الكثير من الموارد الرائعة لمساعدتك على تقديم وتتبُّع تدريب الامتثال عبر الإنترنت، إلى جانب توفير اختبارات المتابعة، وحتى تعزيزات ما بعد التدريب لتحسين احتفاظ الموظفين بما تعلَّموه.

يُعدُّ برنامج التدريب ككل طريقة رائعة للحفاظ على رسالة واضحة حول قيم ومبادئ شركتك وكل ما تُمثِّله.

يشبه التعبير عن القيم إلى حد كبير حملة تسويقية؛ حيث يحتاج إلى جذب انتباه الناس واستخدام محتوى وتنسيقات وقنوات تواصل مختلفة ليظل جديداً.

ليس من الضروري تدريب الموظفين خارج مكان العمل لإكمال تدريب الامتثال؛ فعندما تُقدِّم محتوىً تدريبياً عبر الإنترنت مخصصاً للاستخدام بواسطة الموبايل، ستُتيح لهم فرصة المشاركة في التدريب أينما كان مكان عملهم، ولن ينظروا إلى الامتثال على أنَّه أمر هام فقط في الفصل الدراسي لمجرد إنجاز المهمة وشطبها من قائمة المهام.

قد يساعدك استخدام الحلول عبر الإنترنت لتوفير محتوى تدريبي تفاعلي على تعزيز رسالة الاحترام والنزاهة، بالإضافة إلى تسهيل المتطلبات الإدارية.

بناء ثقافة امتثال دائمة

من العبارات المشهورة والشائعة، لا سيَّما في دوائر التعلُّم والتطوير، أنَّ التدريب ليس حدثاً عابراً؛ وبعبارة أخرى، يُعدُّ التدريب والتطوير عملية مستمرة لا تتوقف عند اكتمال جلسة الفصل الدراسي أو مشاهدة مقطع فيديو من البداية إلى النهاية؛ بل هو سلسلة مستمرة من التعلُّم والتعزيز والتطبيق والتغذية الراجعة التي تؤدي إلى تحقيق النتيجة المرجوَّة، وعادةً ما تُغيِّر السلوك أو تُحسِّن المهارة.

يُستخدم هذا النهج في معظم برامج التدريب، ومع ذلك قلَّما يُستخدَم في التدريب على الامتثال، وقد يؤدي التعامل مع الامتثال كعملية مستمرة إلى تغيير ثقافة شركتك، وجعل الامتثال جزءاً هاماً من عمليات شركتك اليومية.

من المعلوم أنَّ التدريب على الامتثال ليس دائماً مثيراً، فقد لا يُحقِّق عائداً فورياً على الاستثمار، أو ربما لا يكون هناك عائدٌ على الإطلاق، لكن قد يُحدث التركيز على الامتثال ثورة في ثقافة شركتك، ويخلق بيئة عمل أكثر أماناً وفاعلية، وفي النهاية يُنقِذ شركتك من الغرامات والدعاوى القضائية المُكلفة.