إعداد المُعلِّم وتأهيله في المدرسة التربويَّة الحديثة

منذ أكثر من ألف عام قال سيسترو (إن أعظم هبة يمكن أن نقدمها للمجتمع، هي تعليم أبنائه) ويبدو أن كلماته ما زالت تعبر عن مشاعر إنسانيَّة رفيعة، فالمُعلِّم، منذ أن وجد التعليم، ما زال يقدم خدمة مهنيَّة لأمته من خلال تمكين التلاميذ من اكتساب المعارف والمثل العليا، وتذوق معنى الحرية، والمسؤولية، ومن خلال تمكينهم من اكتساب مهارات التفكير الناقد، والمواطنة الصالحة، وإذا ما قيل إنّ مستقبل الأمة ومصيرها إنما يكونان في أيدي أولئك الذين يحسنون تربية أجيالها الناشئة، فلن يكون ذلك القول بعيداً عن الصحة، إن لم يكن مطابقاً لها، ومن هنا كانت للمُعلِّم في الأمم مكانة رفيعة جداً، ولعلها أرفع ما وصلت إليه هذه المكانة.



وهي ما قررته الثقافة العربيَّة عبر تاريخها تجاه المُعلِّم، فكانت مكانة المُعلِّم في التراث العربي الإسلامي مكانة تعبر عن عظيم تقدير الأمة للمُعلِّم، كما أنها مكانة مستمدة من العقائد والقيم الدينيَّة التي تنتمي إليها الأمة العربيَّة، وتفخر بها، بكونها قيماً إنسانيَّة حضاريَّة لا تقتصر على عرق أو جنس أو لون. (الترتوري والقضاة، 2006).

 

التعليم بوصفه مهنة

يؤدي المُعلِّم دوراً بالغ الأهمية والخطورة في عمليَّة التعلُّم والتعليم، ويتعدى دوره ذلك إلى العمليَّة التربويَّة كلها، ومن ثم إلى عمليات التنشئة الاجتماعيَّة، ومن هنا تأتي أهمية المُعلِّم في المجتمع، وتبرز العناية به وتقديره كإنسان وكمواطن وكمهني، في الدرجة الأولى.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن بسرعة، هل يحظى المُعلِّم بالتقدير والاحترام والرعاية والإعداد بالمقدار والنوعيَّة التي يفرضها دوره المهم في عمليات التعلُّم والتعليم والتربية والتنشئة الاجتماعيَّة؟ وبتعبير آخر، هل يعطي المجتمع، بمُؤسَّساته المختلفة الرسميَّة وغير الرسميَّة، اهتماماً حقيقياً كافياً للمُعلِّم يتناسب وأهميته العظمى في المجتمع؟ هل يتناسب مقدار اعترافنا ونوعيَّة تقديرنا للمُعلِّم مع مقدار ونوعيَّة مساهمته وإنجازه في المجتمع؟ هل يتمتَّع المُعلِّم بامتيازات معينة ماديَّة ومعنويَّة مكافأة له على عمله العظيم في بناء المجتمع وتقدمه؟ (خصاونة، 1978).

 

أخلاقيات مهنة التعليم من منظور عالمي

اتجهت المُؤسَّسات التربويَّة والجمعيات الأكاديميَّة المعنية بالتعليم إلى إرساء مبادئ أساسيَّة تعدُّ أخلاقيات مهنة التعليم في آفاقها العالميَّة، إذ أن معظم الأنظمة التربويَّة في مختلف المجتمعات، المُتقدِّمة منها والناميَّة، تتفق على مبادئ أساسيَّة لمهنة التعليم، ويمكن إيجازها على النحو الآتي (الترتوري والقضاة 2006).

 

المبدأ الأول:

إن المسؤولية الأساسيَّة لمهنة التعليم تكمن في إرشاد الأطفال، والشباب والكبار طلباً للمعرفة، واكتساباً للمهارات، وإعدادهم للحياة الكريمة الهادفة التي تمكنهم من التمتع بحياتهم بكرامة وتحقيق ذاتهم في الحياة. وهذا يتطلَّب من المُعلِّم:

  1. أن يعامل التلاميذ بالمساواة دون تحيز بسبب اتجاه حزبي، أو عقيدة دينيَّة، أو مكانة اجتماعيَّة، اقتصاديَّة.
  2. أن يميز الفروق الفرديَّة بين التلاميذ من أجل تلبية حاجاتهم الفرديَّة.
  3. أن يشجع التلاميذ على العمل من أجل تحقيق أهداف عالية في الحياة، تتناسب مع نموهم المتكامل.
  4. أن يحترم حق كل تلميذ في الحصول على المعلومات الصحيحة وحسن الاستفادة منها في حياته المستقبليَّة.

 

 المبدأ الثاني:

إن مسؤولية المُعلِّمين تكمن في مساعدة التلاميذ على تحديد أهدافهم الخاصة وتوجيهها نحو أهداف مقبولة اجتماعياً، وهذا يتطلَّب من المُعلِّم:

  • أن يحترم مسؤولية الآباء تجاه أبنائهم.
  • أن يبني علاقات ودية مع الآباء من أجل تكامل نمو التلاميذ.
  • أن يحرص على تزويد الآباء بالمعلومات الأمينة عن أبنائهم.
  • أن ينمي في التلاميذ روح الثقة بالبيت والمجتمع والمدرسة.

 

 المبدأ الثالث:

تحتل مهنة التعليم مكانة ذات مسؤولية هامة تجاه المجتمع والأفراد من حيث السلوك الاجتماعي والفردي، وهذا يتطلَّب من المُعلِّم:

  • أن يلتزم السلوك الاجتماعي المقبول في المجتمع.
  • أن يقوم بواجبات المواطنة الصحيحة، ليكون قدوة المجتمع المحلي وأفراده في تلك الواجبات.
  • أن يعالج القضايا الاجتماعيَّة والأساسيَّة التي تهم مجتمعه بموضوعيَّة منسجماً مع قيم المجتمع ومثله.
  • أن يدرك أن المدرسة، بكونها مُؤسَّسة تربويَّة، إنما هي ملك للمجتمع، وأن دوره أن يحافظ على المكانة الرفيعة لهذه المُؤسَّسة ومستوى خدماتها للمجتمع.

 

المبدأ الرابع:

تتميَّز مهنة التعليم من غيرها من المهن الأخرى بنوعيَّة العلاقات الإنسانيَّة التي تسود جوها العملي، ورفعة هذه العلاقات. وهذا يتطلَّب من المُعلِّم:

  • أن يعامل زملاءه في المهنة بالروح الإيجابيَّة نفسها التي يُحِبُّ أن يعامل بها.
  • أن يكون صادقاً وإيجابياً في التعامل مع مؤسسته التربويَّة.
  • أن يحافظ على علاقات مهنيَّة مع زملائه ومع المُنظَّمات والجمعيات التربويَّة من أجل رفعة مهنة التعليم وتحقيق مكانة أرفع لها.
  • أن يُعنى بالنمو المهني المستمر من أجل الإسهام في تطوير النظام التعليمي الذي يعمل في إطاره (جرادات وآخرون، 1983).

 

صفات المُعلِّم الجيد

  • تكامل الصفات الشخصيَّة المستقيمة من حضور الذهن والدقة في الأداء وحسن التصرُّف، ليكون قادراً على الاعتماد على حواسه، وصحته وحيويته، لأن هذا العمل المستمر يتطلَّب الجهد والحرص والهمة العالية والمثابرة.
  • الحب والرغبة الأكيدة للعمل في هذه المهنة، لأن الإكراه على العمل في هذه المهنة يولد التبلد في الإحساس والشعور. والرغبة المستمر في ترك هذه المهنة بشتى الطرائق.
  • الإلمام والوعي بالثقافة العامة، والمعرفة بالبيئة الاجتماعيَّة التي تحيط به، لأن الضحالة في هذه الأمور تجعل المُعلِّم عاجزاً عن أن يعطي شيئا يذكر، وسيظل دائماً في دوامة الفراغ الثقافي، ولأن هذه المهنة لا تقبل أبدا هذا النوع من المُعلِّمين.
  • المحبة الدائمة للطلاب والمعاملة الحسنة، الممزوجة بالصدق والأمانة، والمرونة معهم في المواقف التي تتطلَّب ذلك، للوصول إلى الأهداف التربويَّة الموضوعة.
  • وقبل كل شيء الإخلاص ومراعاة الله عز وجل، في حمل هذه الأمانة وتوصيلها بكل تفانٍإلى الأجيال (آل إبراهيم، 1997).

 

أهمية مهنة التعليم

ازداد الاهتمام بمهنة التعليم، فقد عنيت كافة الجماعات والمعاهد والمراكز الخاصة بإعداد المُعلِّم تخصصياً ومهنياً وثقافياً وتدريبياً، وذلك بإيجاد برامج تزوِّده بالمعارف التربويَّة والتعليميَّة، وإكسابه المهارات المهنيَّة من أجل تفعيل قدراته ومواهبه، حتى يقوم بالدور المطلوب منه على أكمل وجه (الترتوري والقضاة، 2006).

 

إعداد المُعلِّم وتأهيله لمهنة التعليم

 الإعداد التخصُّصي:

ويُقصد به إعداد المُعلِّم ليكون ملماً بفرع من فروع المعرفة، وهذا لا يتم إلا في الكليات الجامعيَّة. فالمُعلِّم لا يمكن أن يؤدي دوره التعليمي بالشكل المطلوب ما لم يتمكَّن من العلم الذي سيقوم بتعليمه في المستقبل.

ومن ناحية أخرى لا بد أن نجعل أسلوب التفكير والإبداع هو الهدف. وهنا يجب استخدام المعرفة بوصفها وسيلة لهذا التفكير والإبداع، فالتفكير والإبداع هما وسيلتان لنمو المعارف لدى المُعلِّم، وعليهما تستند قدرات ومهارات المُعلِّم العلميَّة (الترتوري والقضاة، 2006).

 

 الإعداد المهني:

يُعَدُّ الإعداد المهني أهم ركيزة من ركائز إعداد المُعلِّم، حيث يهدف إلى تكوين وصقل شخصيته ليكون قادراً على أداء مهمته التربويَّة والتعليميَّة في توجيه وإرشاد الطلاب. ونقترح في هذا الجانب هدفين للإعداد المهني للمُعلِّم:

  1. ‌الاستيعاب الكامل لحقيقة العمليَّة التربويَّة والتعليميَّة وأهدافها حتى يتمكَّن من التأثير الإيجابي في الطلاب وفقاً للأهداف المُقرَّرة.
  2. ‌الاستيعاب الكامل لاحتياجات الطلبة المختلفة، وقدراتهم ومعرفة الفروق الفرديَّة وإمكاناتهم.

وكذلك نقترح هنا بعض البرامج لإعداد المُعلِّم مهنياً:

  • تزويد المُعلِّمين بحصيلة فكريَّة من المعلومات والمفاهيم الأساسيَّة في علم النفس التربوي كالطفولة والمراهقة والفروق الفرديَّة ونظريات التعلُّم.
  • معرفة أساليب الربط بين الخبرات الدراسيَّة والوسائل التي تحقق ذلك، حتى يستطيع أن يؤدي مهنته على مستوى طيب من الأداء.
  • إلمام المُعلِّمين بقدر كاف من المعلومات والخبرات التي تتعلَّق بالبيئة المدرسيَّة في مراحلها المختلفة من حيث الأهداف والوظائف.
  • معرفة أهمية الوسائل التعليميَّة لاستخدامها في الأوقات المناسبة.
  • دراسة أساليب التقويم المختلفة.
  • التعرُّف على أساليب التوجيه والجوانب التي يمكن أن يتم فيها هذا التوجيه.
  • التدريب المستمر على الأسلوب العلمي في التفكير والإبداع والقدرة على حل المشكلات.
  • إن الإعداد المهني يهدف إلى إكساب المُعلِّم القدرة على استخدام الوسائل. وأن يستفيد من التجارب، وعليه فإن المُعلِّم لا بد له من أن يُعدّ الإعداد الجيد قبل ممارسة المهنة.

 

 الإعداد الثقافي:

تنتقل الثقافة من جيل إلى جيل عن طريق التعلُّم والتعليم، وهي مكتسبة يتم تعلمها من قِبَلِ الصغار والكبار، وهي كذلك متغيرة بحكم تطور المجتمعات الإنسانيَّة، فأهميتها للمُعلِّم ترجع إلى (الترتوري والقضاة، 2006):

  • ‌القدرة على حسن الاختيار من بين العناصر الثقافيَّة ليستخدمها بصورة تؤثر في الفرد. حيث أن الحقائق والقوانين والأفكار الاجتماعيَّة والمعاني والقيم والنظريات تنتقى من الثقافة، لذلك فإن هذا كله يستلزم من المُعلِّم الوعي والتمييز، حتى لا يعطي الطلاب المفاهيم الخاطئة.
  • ‌القدرة على حل المشكلات التي تعتري العمليَّة التربويَّة لدى الطلاب، وهذا بدوره يؤدي إلى تسهيل عمليَّة التربية والتوجيه.
  • ‌تعطي المُعلِّم معلومات عن البيئة التي يعيش فيها وعن العالم المحيط به.
  • ‌تمكنه من الإلمام بالموضوعات المُتنوِّعة حتى يستطيع الإجابة عنها.

فإذا أعد المُعلِّم الإعداد الثقافي بالشكل المطلوب، فإنه يكون ذا تفكير وأفق واسع ومدرك، وأقدر على استخدام الأدوات المهنيَّة بكفاءة عالية، وكذلك أقدر على اكتشاف الفروق الفرديَّة لدى الطلاب، ليكون مصدر ثقة واحترام بالنسبة إلى الطلاب لينجذبوا نحوه ويؤثر كل ذلك في زيادة تحصيلهم، والقدرة على تفعيلهم.

 

 الإعداد التدريبي:

يعمل التدريب المستمر للمُعلِّم على رفع قدراته ومهاراته ومستواه التحصيلي نظرياً وعملياً، ويكون قادراً على تأدية مهنته بجدارة.

فكلما دُرّب المُعلِّم التدريب الصحيح وأعطي معلومات ومفاهيم جديدة تفيده في مهنته، أصبح عطاؤه مثمراً ذا نتيجة ومردود حسن على الطلاب. لأنه من خلال التدريب يتلقى الجديد والمفيد لتطوير نفسه أولاً، ويحسن من أدائه في مهنته ثانياً.

وهذا التدريب الحالي للمُعلِّمين أيا كانت الجهة التربويَّة التي تعقده لا يؤدي المطلوب، ولا يحقق النتائج المرجوة من عمليَّة التدريب للمُعلِّم، لأن طريقته، من وجهة نظرنا، مملة وروتينيَّة ينبغي إعادة النظر فيها، وترتيب عمليَّة التدريب، لنتمكن بعد ذلك من تمهين التعليم ونحن مطمئنون إلى وضع المُعلِّم (آل إبراهيم، 1997).

 

تدريب المُعلِّمين في المدرسة الحديثة:

إعداد وتدريب المُعلِّم قديم في الثقافة العربيَّة الإسلاميَّة، وتركز الآن المُؤسَّسات الحديثة التي وردت إلينا من العالم الغربي وأقمناها في العالم العربي على مسميات مختلفة فيما يتعلَّق بتدريب المُعلِّمين، مثل "دار المُعلِّمين"، و"معهد التربية للمُعلِّمين"، و"كلية التربية"، وغيرها من المسميات، والملاحظ أنه في الوقت الذي تطوَّرت فيه النظريَّة التربويَّة بدرجة كبيرة في العالم الغربي وشمل ذلك مفهوم إعداد المُعلِّم، (Fullan, 1992) فإن معظم المُؤسَّسات التربويَّة في العالم العربي ظلت تعمل بصورة تقليديَّة من خلال مفهومي المنهج والتخصُّص، وأصبح إعداد المُعلِّم يعني إكمال برنامج مُحدَّد في دراسة المادة التخصُّصية، وطرائق التدريس وبعض نظريات علم النفس، ثم الحصول على الشهادة أو الدرجة الجامعيَّة التي تُؤكِّد ذلك ليصبح الدارس بعدها مُعلِّماَ مرخصاً له بممارسة المهنة ومعترفاً بقدراته الأساسيَّة في هذا المجال.

وتقوم نظريَّة إعداد المُعلِّم في العالم العربي على نظريَّة الاتصال التي حدد إطارها "رومان جاكبسون" واختصرها في ثلاثة أسماء: المرسل، والرسالة، والمرسل إليه، فالمُعلِّم هو المرسل، والرسالة هي مادة التعليم والمرسل إليه هو التلميذ الذي يتلقى رسالة المُعلِّم (الترتوري والقضاة، 2006).

وتعمل هذه النظريَّة في إطار ميكانيكي يتجاهل حقيقة أن المُعلِّمين يتفاوتون في قدراتهم العلميَّة واستعداداتهم النفسانية، كما يتجاهل حقيقة مادة التعليم ذاتها والإطار الذي تتم فيه والتباين الواضح بين التلاميذ ودرجة استعداداتهم في التلقي، بل والتفاعل مع المادة العلميَّة التي يتلقونها، وأيضاً المُؤسَّسة التي تتم فيها هذه العمليَّة بأسرها (سالم، 2000).

ويختلف هذا الاتجاه في مجمله عن التيارات التي بدأت تبرز حديثاً في العالم الغربي، والتي ترى أن إعداد المُعلِّم لا ينتهي عند المُؤسَّسة التي تعلن أنها تقوم بتدريبه، أو الدرجة العلميَّة التي يحملها من أجل الاعتراف بمكانته، بل ولا تنتهي أيضاً عند ممارسة دوره بكفاءة كما هو الحال في المدرسة التقليديَّة (Kaplan &Edelfelt, 1996).

وتذهب هذه الاتجاهات إلى عدم الاعتراف بالنظريَّة التي تقول إنّ في الإمكان تدريب سائر المُعلِّمين الذين يؤدون تخصصاً واحداَ وتدريباً متساوياً، ذلك أن المدارس التي يعمل فيها المُعلِّمون تختلف اختلافاً كبيراً، فالمدرسة المدنية تختلف عن المدرسة الريفية، والمدرسة الريفية تختلف عن المدرسة البدوية، والمدرسة التي يؤمُّها أبناء الأغنياء تختلف عن المدرسة التي يؤُمُّها أبناء الفقراء، والمدرسة التي يؤخذمنتسبوها من كل تلك العناصر تختلف عن المدرسة التي يتساوى فيها التلاميذ في مستوياتهم البيئيَّة والاجتماعيَّة (Jones, 1992).

ويبدو في ضوء ذلك أن تركيز الاهتمام على تدريب المُعلِّم هو أكثر من تركيزه على إعداده، ومفهوم التدريب يتبوّأمكانة على مكانة مفهوم التعليم لأنه لا فائدة في أن يكون المُعلِّم ملماً بمادته وبالأطر النظريَّة في التربية ولكنه غير قادر على التأقلم مع البيئة المدرسيَّة التي يعمل في إطارها. ويشكل مفهوم التدريب تحدياً كبيراً أمام معاهد تدريب المُعلِّمين وكليات التربية، وهو التحدي الذي جعل بعض العلماء يذهبون إلى الاعتقاد بأن وجود المُعلِّم في مدرسة مع مدير يفهم طبيعة عمله ويعرف كيفيَّة إدارة مجموعة المُعلِّمين في مدرسته، أجدى بكثير من السنوات التي يقضيها المُعلِّم في صفوف معهد المُعلِّمين وكليات التربية، ولا يعني هذا الرأي عدم الحاجة إلى هذه المُؤسَّسات، وإنما هو فقط ينبه إلى ضرورة أن تتطوَّر المعاهد والكليات بإدخال مفاهيم جديدة إلى التعليم والتدريب تراعي التطوُّرات التي بدأت تبرز حديثاً.

 

الاتجاه الحديث في تدريب المُعلِّم

تُؤكِّد الدراسة التي نشرتها "روث هيلبرون وجونس" (Heilbronn. & Jones) ضمن فعاليات "دراسات المُعلِّم الجديد في المدارس الشاملة"
 (1997) (New teachers in an urban comprehensive schools)

أنّ التغيُّرات الحديثة في أسلوب تدريب المُعلِّمين تستوجب إعادة النظر في محتوى وإدارة برامج تدريب المُعلِّم على أن يكون التدريب في المدارس هو حجر الزاوية، مع تقليل الاعتماد على المعاهد والجامعات في هذا المجال، ولا يعني ذلك إلغاء هذه المُؤسَّسات وإنما يجب أن يكون تركيز الاهتمام على ما يتم في المدارس وليس مجرد المعرفة النظريَّة في كليات ومعاهد المُعلِّمين، ولا يعني ذلك أيضاً أن يكون تركيز الاهتمام على برامج التربية العمليَّة في المدارس بمفهومها التقليدي، وإنما ينبغي أن يكون التفرغ للعمل في المدارس جزءاً من برامج التدريب، وهو الأسلوب نفسه الذي كانت تتبعه الإدارة البريطانية في السودان، حيث كان معهد "بخت الرضا" يرسل المُتدرِّبين إلى الإقامة في المدارس عدة أشهر من أجل اكتساب الخبرة في بيئتها العمليَّة ولن يكون ذلك وحده كافياً لأن المهم في تدريب المُعلِّم هو التأكُّد من صلاحيَّة التجربة العمليَّة من خلال التحاقه بالنظام المدرسي ذاته على أن يكون مهيأ لتقبل النتيجة إذا لم يكن صالحاً للعمل في مجال التدريس، وعلى ألا يكون التدريس مهنة من لا مهنة له ويتم ذلك تحت حماية القوانين والتي تشرعها دواوين شئون المُوظَّفين والتي تحول دون الاستغناء عنهم في حالة عدم كفاءتهم في أداء الأعمال التي وظفوا من أجلها (Heilbron& Jones, 1997). ويحتم ذلك ألا تكون الموارد المتاحة للمدارس تقتصر على الرواتب والمسائل الضروريَّة وإنما يجب أن تكون هناك اعتمادات كافية لأغراض المُعلِّمين.

وتذهب الاتجاهات الحديثة في بريطانيا على نحو الخصوص إلى عدم جعل تدريب المُعلِّمين مقتصراً على مُؤسَّسات التعليم العالي فقط وإنما إلى ضرورة أن تكون هناك شراكة بين المُؤسَّسات التعليميَّة ذاتها ووزارة التعليم العالي.

والهدف في نهاية الأمر أن ينشأ جيل من المُعلِّمين ليسوا مسلحين فقط بالمعرفة النظريَّة التي توفرها كليات التربية ومعاهد التربية ومعاهد المُعلِّمين، وإنما مزودين أيضاً بالخبرات التي يأتي منها التلاميذ الذين ينتمون إلى بيئات ثقافيَّة منوعة بحيث يوظفون هذه الخبرات من أجل إنجاح الممارسة التعليميَّة في داخل مدارسهم.

 

تعيين عضو هيئة التدريس الجديد

يجب أن يحصل عضو هيئة التدريس الجديد، سواء كان مدرساً له خبرة كبيرة في هذا المجال أم مدرساً عادياً في بداية حياته العمليَّة، على جميع النصائح المُتعلِّقة بالروتينات المختلفة والوسائل المتاحة في هذه المدرسة. ويجب أن يكون هناك بعض الاجتماعات (في الأسابيع القليلة الأولى من العمل) حيث يستطيع الموجه أو المشرف مناقشة بعض النواحي المهمة في المدرسة ليتمكَّن الزميل الجديد من توجيه الأسئلة واستشارة هذا المشرف. وستواجه المدارس المختلفة موضوعات ونقاطاً مختلفة وستتباين فيها الطاقات والخبرة والاحتياجات، لكنك دائماً ستجد بعض الوثائق مثل الكتيبات الخاصة بهيئة التدريس التي تساعد المُدرِّس الجديد على المواكبة مع المدرسة. وتحتوي كل مدرسة على روتينات محكمة ويتحتم عليها متابعة كافة الأنظمة في داخلها، فإذا كانت عمليَّة التعيين فعَّالة، فسيكون هناك مزج بين المدرسين القدامى والآخرين الجدد (الترتوري والقضاة، 2006).

 

جدول (1)

إرشادات بشأن المقابلات الشخصيَّة

لا:

  • تبدأ بالأسئلة الشخصيَّة أو الجدلية.
  • تستخدم الأسئلة المحدودة التي تنتهي بالإجابة بنعم أو لا، إلا إذا اقتضت الحاجة ذلك.
  • تستخدم الأسئلة الفظة أو المخادعة أو المصطلحات.
  • تقد الشخص الذي تجري المقابلة كما تقول "إنني أعتقد بأنك يجب أن...".
  • تشر إلى أي رفض أو صدمة.
  • تقلق بشأن الصمت.

قم:

  • باستخدام الأسئلة مفتوحة الإجابة التي تسمح للمرشحين بالتعبير عن أنفسهم وتوضيح المعرفة.
  • بتوجيه السؤال بطريقة بارعة مثل استخدام "لماذا" و "ماذا" و "كيف" وما شابه ذلك.
  • بطمأنة المرشح المضطرب بالابتسامة والحديث بهدوء.
  • بالاستماع إلى المرشح فيما يقرب من ثلثي الوقت.
  • بتوجيه مسار حديث المرشح ببراعة للتعرُّف على النقاط التي تريدها.
  • بالانتهاء من نقطة ما وفتح أخرى مع إضافة بعض الملاحظات.
  • بالرجوع إلى الأجزاء التي تجنبها المرشح في بداية كلامه.
  • بملاحظة سلوك المرشح مثل العصبية والعنف وعلامات التوتر.
  • بالبحث عن الأسباب وراء ترك المرشح للمدرسة السابقة التي كان يعمل فيها (فالقدرة على عدم التواصل مع الآخرين تعد من أكثر الأسباب وراء عدم الرضا عن أعضاء هيئة التدريس.
  • بالتغاضي عن محاباتك للكثير من الأشياء.
  • بمنح المرشح فرصة للسؤال عن الوظيفة وإعطاء أي ملاحظات يريدها.

 

بالتأكُّد من أن لجنة المقابلة الشخصيَّة لديها بضع دقائق لتعطي انطباعاً عاماً عن المرشح قبل أن تبدأ المقابلة الشخصيَّة التالية. المصدر: (الترتوري والقضاة، 2006).