أهمية تعليم القراءة لأطفال الروضة

محمود طافش

يتولد عن النمو المتواصل للطفل طاقات منوّعة، لذلك يكون في حاجة ماسة إلى ممارسة أنشطة منوعة تمكنه من تفريغ هذه الطاقات، فإن لم يجد أمامه نوافذ ومسالك مدروسة ومبرمجة تتيح له فرصاً لتصريفها فيما يعود عليه بالنفع، فإنه قد يلجأ إلى وسائل غير تربويَّة كالمشاجرات وغيرها.
هناك العديد من الوسائل النافعة التي تتيح فرصاً للأطفال يظفرون فيها بوسائل مفيدة يُفرِّغون فيها طاقاتهم من أبرزها القراءة واللعب والرسم والعزف وغيرها. وتعد القراءة من الوسائل المهمة التي يستطيع الطفل من خلالها أن يفرغ طاقاته بطريقة مُنظَّمة وآمنة، أو استغلالها بصورة مثمرة.



ويبدأ التواصل اللغوي مع الطفل الوليد بالمناغاة، وعلى الرغم من أنه لا يفهم شيئاً من هذه المناغاة إلا أنّها تسعده، وتعمل على تقوية صلته بأمه، ولعل تعلُّمه الكلام، ونمو قدرته على الاستماع خلال العامين الأول والثاني، هو الخطوة الأولى باتجاه محاولته التعبير عن نفسه، وتتسع هذه الخطوة ويتبعها خطوات، وذلك بالقراءة للطفل من أجل إعداده إعداداً سليماً من جميع نواحيه وتلبية احتياجاته العقليَّة والعاطفية والاجتماعيَّة.

فوائد القراءة:
توصل الباحثون التربويون إلى تحديد مجموعة من الفوائد التي يجنيها الطفل من القراءة أهمها:

  1. تنمية قدرته على القراءة بحيث تصبح أكثر عمقاً.
  2. تنمية ثروته اللغويَّة، حيث يبحث الطفل عن المعنى خلال السياق في الجملة فيترسخ المعنى في ذهنه، ويغتني قاموسه اللغوي.
  3. اكتساب الطفل مجموعة من القيم والأخلاقيات الملائمة لثقافة مجتمعه، مما يترتَّب عليه تهذيب سلوكياته.
  4. تعمل على تطوير معارفه، وتهيئه لاستقبال معارف لاحقة.
  5. تساهم في تشكيل نفسيته من خلال الأفكار والقيم التي يحصل عليها بقراءته للكتاب.
  6. تسلحه بقيم اجتماعيَّة، فإن محتوى الكتاب يساعد على بنائه بناء اجتماعياً متوازناً يتصف
  7. تولد لدى الطفل حب الاستطلاع.
  8. تخلصه مما قد يعتريه من سآمة وتجلب إليه التسلية والمتعة.
  9. تساعده على تغيير أسلوب حياته.
  10. تحبب إليه الآداب، والبحث عن الحقائق، وتفتح أمامه أبواب الثقافة.
  11. تحببه باللغة التي هي وسيلة التفكير والتخاطب، وتنمي حسه اللغوي.
  12. تعمل على توسيع أفقه ومداركه.
  13. تساعده على التحدث والكتابة بشكل أفضل.
  14. تنمي قدرته على التخيل، وتكسبه ملكة التفكير السديد.

ونظراً لهذه الفوائد الجمة للقراءة فإن الوالدين المستنيرين يحرصان على ألا يحرما طفلهما من جني ثمارها، لكن ما السن الملائمة التي يمكن للطفل أن يستفيد فيها من المادة المقروءة؟
في الحقيقة إنّ الأطفال ليسوا جميعاً سواء، لكن بوجه عام، يبدأ الطفل السليم في عامه الثالث بالاستمتاع إلى القصص والحكايات التي تحكى له، فينمو عقلياً وعاطفياً بعد أن نما جسمياً وحركياً. وتُمكن الزيادة في الاستمتاع بالقصة من خلال:

  1. توظيف الألعاب لتقوم بأدوار الأشخاص.
  2. تمثيل الأعمال التي نحدثهم عنها بحركات تشدهم إليها، وتساعدهم على استيعابها.
  3. توظيف ألعاب جديدة في أثناء سرد القصة التي يدور حولها موضوع التربية.

ويلاحظ أن الطفل يستمتع بألعاب يتخيلها، فهو يركب والعصا وكأنها حصان أو يحارب بها كأنها سيف. ويساعد توافر الكتب بين أيدي سائر أفراد الأسرة على وجود ألفة بين الطفل والكتاب، ومن هنا تبرز أهمية وجود مكتبة في كل بيت، حيث تشبع الكتب رغبة الطفل في إثراء قاموسه اللغوي، وتعمل على صقل مهارته في القراءة.

  1. ومما يساعد على تقبل الطفل للمادة القصصية المكتوبة، وجود صور مبسطة محدودة، يستطيع أن يتعرَّف عليها بسهولة، مثل: القطة، والكلب، وما شابه ذلك من أشياء مألوفة لديه، فهو يتطلع دائماً إلى اختبار البيئة المحيطة به، وهو لا يستطيع أن يتفهم المواقف الغريبة عنه.
  2. أن تدور القصص حول أشياء مألوفة لدى الطفل في البيئة المحليَّة.
  3. يميل الطفل إلى القصص التي ينتصر فيها الخير على الشر ويتغلّب فيها العدل على الظلم، فيستشعر الراحة.

كيف نجعل الطفل يحب القراءة؟
لكي نحبب الطفل بالقراءة فإن الخبراء ينصحوننا بما يأتي:

  1. أن يمارس الوالدان القراءة، وأن يكون في البيت مكتبة تحتوي على كتب أطفال ذات إخراج جيد وألوان جذابة.
  2. تشجيع الطفل على أن تكون له مكتبته الخاصة به.
  3. اصطحاب الطفل إلى المكتبات العامة وإلى معارض الكتب وتمكينه من شراء الكتب التي تستهويه.
  4. تدريبه على القراءة بالتدريج، ومراعاة ميله إلى المواضيع التي يرغب في الاطلاع عليها.
  5. توفير مكان مناسب للقراءة يتسم بالهدوء وبالإنارة الكافية.
  6. تقديم الكتاب كهدية للطفل في الأعياد وفي المناسبات الدينيَّة وفي الرحلات والمسابقات الثقافيَّة.
  7. تنظيم مسابقات في المطالعة بين الأطفال خلال العطلات المدرسيَّة.
  8. استغلال هوايات الأطفال وميولهم، وتزويدهم مجلات ونشرات تتطرق لهذه الهوايات، كالرياضة والتمثيل وقصص البطولة، ومعلومات حول الشخصيات التي يحبها الطفل، وعلى وجه الخصوص في أثناء السفر والرحلات الطويلة.
  9. وضع القصص والمجلات قرب سرير الطفل ليتصفحها قبيل النوم.
  10. تنظيم جلسات لأفراد الأسرة يتم خلالها تدارس الكتب المفيدة، ومناقشة محتواها في حضور الأطفال، والسماح لهم بالمشاركة في الحوار الدائر.
  11. تشجيع الأطفال على تمثيل الأدوار التي تجري في القصة، وتعزيز مشاركتهم مهما كانت محدودة.
  12. الحرص على اختيار الكتاب الملائم لميول الطفل، وخير كتب الأطفال القصص المصورة ذات الكلمات الواضحة، والأناشيد ذات الموسيقى المحببة إلى الأطفال، وأن تكون ذات محتوى تربوي لا يتعارض مع بيئة الطفل، وأن تناسب عمره العقلي، وأن تشبع رغباته وتلبي حاجته إلى القراءة.

 
كي لا يمل الطفل من القراءة، فإنه من المهم وضع الملاحظات الآتية في الحسبان:

  1. إعطاء الطفل فرصة كافية لتأمل الصورة.
  2. اختيار بعض الكلمات وسؤال الطفل عن معناها.
  3. الطلب من الطفل إعادة ما فهمه من القصة، وتعزيز إجابته مهما كانت مختصرة.
  4. عدم إجبار الطفل على ممارسة القراءة.
  5. القراءة للطفل بصوت عال، وهذه القراءة ذات قيمة تربويَّة عالية، يقول أحد الشعراء الغربيين على لسان طفل يدرك أهمية القراءة:

"قد تكون لديك ثروة حقيقيَّة مخفية، علب جواهر وصناديق من ذهب، لكنك أغنى مني لن تكون، لأنّ لي أُماً تقرأ لي".

  1. وليحرص القارئ للأطفال على أن تكون قراءته معبّرة وممثلة للمعنى بحيث يكون وقت القراءة ممتعاً للطفل.
  2. مناقشة الطفل بالمادة المقروءة وتعزيز إجاباته.
  3. تمثيل المادة المقروءة.
  4. مراعاة خصائص الطفل، وكيلا ينصرف الطفل عن القراءة فإنّه من الأهمية بمكان أن يتنبه المُعلِّم لخصائص الطفل في مرحلة الطفولة المُبكِّرة، والتي من أبرزها:
    • استمتاع الطفل بموسيقى الألفاظ وبالجمل المسموعة حتى ولو لم يفهم معناها، لذلك فهو يتوق إلى سماع القصة المسموعة أكثر من مرة، والتي تبدأ عادة بعبارات مألوفة مثل قولهم: "كان ياما كان".
    • يقبل الطفل على سماع أخبار الأسماء المعروفة لديه، ويبني تصوُّراته من خلال تجاربه الذاتيَّة المحدودة.
    • يرتاح للتعامل مع الأشياء الملموسة، أو التي تشارك في التعرُّف عليها مجموعة من الحواس كالذوق والشم واللمس والسمع.
    • حب الطفل لنفسه وتعلقه بالقصص التي تُؤكِّد ذاته.


متى نبدأ بتعليم الطفل القراءة؟
هناك نظريتان تطرقتا لبحث هذه القضية، وتطوعتا للإجابة عن هذا التساؤل بمنهجيَّة علميَّة، لكنهما تبدوان وكأنهما متعارضتان:


النظرية الأولى:
ترى أنّه من المفيد أن يؤخر تعليم الطفل القراءة إلى ما بعد السادسة، ليجد متسعاً من الوقت يمارس فيها ألعاباً تتطلبها طفولته، إضافة إلى أنّ محاولة تعليم الطفل القراءة في وقت مُبكِّر قد يجعله يمل منها بسرعة.


النظرية الثانية:
ترى أنّه من الأهمية بمكان تدريب الطفل على القراءة في وقت مُبكِّر، لأنّ هذا التبكير يهبه فرصة لتطوير قدراته القرائية، فيحصل على المعرفة بصورة مكثفة.
وعلى الرّغم من التباين الذي نلمسه بين النظريتين إلا أنّ التوفيق بينهما أمر في غاية السهولة.

يرى "محمد علواني" أن "التعارض الذي نتخيله بين الرأيين فيما يطرحانه زائف، فما الذي يمنع أن تكون عملية تعلُّم القراءة بحد ذاتها متعة وفائدة في آن واحد؟ إنّ اللعب والاستمتاع أهم وسائل الطفل للمعرفة، إن لم تكن وسيلته الحقيقيَّة الوحيدة، وكلما كانت المعرفة مرتبطة باللعب والاستمتاع والإثارة، تمكنت من نفسه أكثر". وهذا رأي موضوعي وقابل للمناقشة لأنّ الحاسب الآلي وغيره من الألعاب الالكترونية المشوقة تفتح مجالات واسعة للأطفال من أجل أن يلعبوا ويتعلَّموا.

 

معوقات تعليم الطفل القراءة:
لكن تعليم الطفل القراءة يصطدم في كثير من الأحيان ببعض العراقيل أهمها:

  1. قلة الوعي بأهمية الكتاب بالنسبة إلى االطفل.
  2. ارتفاع أسعار كتب الأطفال إلى درجة أنّه لا يقوى على شرائها كثير من الناس الذين يدركون أهمية القراءة بالنسبة إلى الأطفال.
  3. عدم وجود فئة متخصصة من المشرفين التربويين القادرين على تقويم الكتب الموجهة إلى الأطفال للتمييز بين الكتب التربويَّة والكتب التجارية.
  4. وجود فئة من الناشرين الانتهازيين الذين يسعون إلى الربح المادي فقط، ويهتمون بإخراج الكتاب وزخرفته، ولا يأبهون مضمونه، ولا بالأضرار التي يمكن أن تترتَّب على الكتب السطحية.
  5. تركيز كثير من كتب الأطفال على الحكايات المسلية المستقاة من التراث، لاعتقاد المؤلفين بأنّ الطفل مخلوق ساذج غير قادر على إدراك القضايا الحياتيَّة خارج نطاق عالمه، لذلك فهو محكوم بما تجود به عليه عقول الكبار.
  6. قلة الدراسات التي أجريت حول الطفل في العالم العربي وتوظيف الكاتب العربي للدراسات الأجنبية في أثناء محاولته الكتابة للأطفال دون التنبه للأضرار التي قد تنجم عن بعض هذه الدراسات.


خاتمة:
بقي أن نحذر من خطورة كتب الأطفال التي تستند إلى التعصب الديني، وعلى الخرافات المستقاة من الثقافات الشعبية، لما يترتَّب عليها من عواطف وانفعالات سلبيَّة تجنح بعقل الصغير بعيداً عن التفكير العلمي والموضوعية. فينشأ ضعيفاً مضطرباً يعيش في مجتمعه غريباً، فالأديان كلها تقوم على التسامح والحب، وتدعو الناس إلى التعاون على البر والتقوى، وإلى نبذ الشر والعدوان.
فإذا استطاعت الأسرة، ثم المدرسة من بعدها أن تمكّن الطفل من أن يقطف ثمار القراءة اليانعة، سواءً بممارستها عملياً أو بالقراءة له، فإنها تكون بذلك قد وضعته على عتبة باب واسع من أبواب التميُّز العلمي الذي يقود إلى التميُّز والإبداع.

 

أهمية تعليم القراءة لأطفال الروضة