أهمية تدريب الأطفال على التفكير المنطقي

محمود طافش

للتفكير المنطقي جذور ضاربة في أعماق التاريخ، ومن أشهر المُفكِّرين المنطقيين في العصر اليوناني القديم أفلاطون وأرسطو وسقراط، وقد برز نشاط هؤلاء المُفكِّرين كرد فعل لظهور جماعات السفسطائيين التي استغلت الفوضى السياسيَّة التي كانت قائمة آنذاك لتحقيق مكاسب ذاتيَّة، فتصدى لهم سقراط بتوظيف فن المعاني ليسد عليهم الطرق، وليمنعهم من التلاعب بالألفاظ لتحقيق أغراض نفعية خبيثة. وجاء أفلاطون ليعيد إلى العقل قيمته العليا، وليجعله حكماً في الجدل الذي كان قائماً. ثم أرسى سقراط قواعد التفكير السليم في ذلك العصر.



وتطوَّر التفكير المنطقي في العصر الإسلامي نتيجة للدعوات المُتكرِّرة التي وردت في القرآن الكريم والتي يحث فيها على التفكير والتأمل، ولإشادته المُتكرِّرة بالمتفكِّرين وأولي الألباب.
وفي العصر الحديث اتسع نطاق التفكير المنطقي، واستطاعت أوروبا أن تبني حضارة عظيمة بتوظيفه، لكن المنتفعين أسدلوا حجاباً على التفكير المنطقي بأفكار سياسيَّة بُنيَت على أساس من "الغاية تُبرِّر الوسيلة". وأمّا التفكير المنطقي يجب أن يظل عماد التربية الحديثة إذا أُريد لها أن تثمر ثماراً يانعة ومفيدة.

مفهومه:
هو ذلك النمط من التفكير المقصود الذي يتم وفق عمليات ذهنيَّة متكاملة، ويتطلَّب أن يكون المُتفكِّر متمتعاً بنشاط وحيويَّة، وبمخزون وافر من المعلومات والخبرات المُنظَّمة، مع إعطائه زمناً كافياً للتعامل مع القضية التي يراد إيجاد حلول لها بعد التعرُّف على مسبباتها، والتوصُّل إلى أدلة تساعد على تذليلها. ويُعَدُّ التفكير المنطقي من أكثر أنماط التفكير جدوى للإنسان، لأنه باتباعه لخطواته يستطيع تذليل المشكلات التي تعترضه في أثناء سعيه إلى تحقيق أهدافه.

ويعرف "شنر" (1961 ص 16) التفكير المنطقي بأنه: "ذلك النمط من التفكير الذي نوظفه عندما نحاول أن نتبين الأسباب والعلل التي تقف وراء الأشياء، ومعرفة نتائج الأعمال التي نقوم بها، والوصول إلى أدلة تؤيد أو تثبت صحة وجهة النظر التي نتبناها".

وقد أشار "إبراهيم الحارثي" (2001 ص 98) إلى مجموعة من الخبرات المفتاحية التي من شأنها العمل على تنمية التفكير المنطقي لدى الأطفال الذين هم دون الخامسة وهذه الخبرات هي:

  1. فحص خصائص الأشياء وتصنيفها.
  2. الموازنة بين الأشياء وتعداد أوجه التشابه وأوجه الاختلاف فيما بينها.
  3. استخدام الشيء ووصفه بطرائق مختلفة.
  4. وصف الخصائص التي يمتلكها الشيء.
  5. تمييز الجزء من الكل، أو التصنيف في مجموعات فرعية.
  6. فهم العلاقات السببية بين الأشياء والارتباطات المنطقية فيما بينها.
  7. ترتيب الأشياء حسب الطول أو السعة أو الثقل أو... إلخ.

وفي السنوات الأولى من عمره يتطور ذهن الطفل من خلال تأمله للأشياء من حوله وانهماكه في اللعب المتاح له، وتتطور قدرته على تعديل سلوكه من خلال موازنة الأشياء بعضها ببعض وتقليده للآخرين، والمحاولة الخطأ، ليصل إلى مرحلة التمييز بين ما هو لعب وما هو حقيقة، وليقوم بدور اجتماعي يمكنه من التأقلم مع بيئته، وتلقّي ثقافتها التي تطبع تفكيره بطابعها، ويكوّن آراءه لينطلق منها في تصرُّفاته.

ويمارس الفرد التفكير المنطقي عندما يحاول اكتشاف العوامل التي تسبب الخلل أو تصنع الأحداث، أو عندما يسعى إلى معرفة النتائج التي تترتَّب على الأعمال التي يقوم بها، لتحقيق النجاح الذي يتطلع إليه.


مراحل التفكير المنطقي:
وتتم عملية التفكير المنطقي بأربع مراحل متكاملة وهي:

  1. الشعور بالحاجة إلى التفكير من أجل التعامل وقضية حياتيَّة.
  2. استحضار المعلومات والخبرات المختزنة للاستفادة منها في التعامل والمسألة التي طرأت من أجل التوصُّل إلى حلول مرضيَّة لها.
  3. البحث عن أفكار أخرى مساندة ودراستها للتعرُّف على مدى الاستفادة منها لتحقيق الأهداف والوصول إلى النتائج.
  4. اختيار الحل الملائم واختباره للتأكد من صلاحيته.

وفي معظم الحالات يستطيع الطفل السليم أن يمارس التفكير ابتداءً من السنة الثالثة، ويبتدئ عادة بإدراك الأشياء المحسوسة التي تخصه، ثم يبدأ بإدراك المجردات واستيعاب آراء الآخرين. وتنمو قدرة الطفل العادي على التفكير كلما تقدم به العمر، وازدادت حصيلته المعرفيَّة. وتؤدي درجة ذكاء الطفل وبيئته والأساليب المتبعة في تربيته دوراً كبيراً في تقدمه الفكري. ومن الأطفال من يسبق عمره العقلي عمره الزمني، كما أن الأطفال المتخلفين قد لا يقوون على التفكير السوي إذا لم يلقوا العناية الخاصة بهم.
ويعتمد التفكير المنطقي على فهم معاني الألفاظ المُكوَّنة للعبارة، وعلى الأدلة المتضمنة فيها. وتبرز الأفكار في النص على هيئة عناوين تساعد على تفسير الظاهرة أو القضية موضوع الدراسة. وبناء عليه فإن التفكير المنطقي يجعل فهم الدارسين للأشياء أفضل، ومن ثمَّ يمكنهم من تحقيق النجاح بطريقة أسرع وأسهل.
 

خصائص التفكير المنطقي:
وهكذا يمكن القول إنّ أبرز خصائص التفكير المنطقي هي أنّه:

  1. تفكير عملي واعٍ يستند إلى عمليات عقليَّة، ويُستدل عليه بآثاره.
  2. يعتمد على إيجاد علاقات بين القضايا والظواهر موضوع الدراسة، وبين المعلومات والخبرات المختزنة في الذاكرة.
  3. يبدأ بخبرات حسيّة ويتطور إلى خبرات تجريدية، وينمو مع نمو عقل الطفل وزيادة حصيلته المعرفيَّة ونوعيَّة الأسئلة التي توجّه إليه.
  4. يتمركز تفكير الطفل في البداية حول ذاته، ثم يتطور ليتفاعل مع القضايا التي يثيرها الآخرون.

 

ويمتاز التفكير المنطقي كذلك بأنه:

  1. تفكير نام مُتطوِّر ينمو مع تقدم العمر وبالمطالعة المستمرة، ويعتمد على العقل وعلى المعلومات والخبرات المختزنة.
  2. تفكير منهجي مُحدَّد الأدوات وواضح الأساليب، ويتطور من خلال البحث عن العلاقات بين الأشياء وربط بعضها ببعضها الآخر.
  3. مُتعدِّد المستويات تبعاً للأعمار والبيئات والثقافات.
  4. يتسم بتدرج مراحله وبترتيب خطواته مع تقدم العمر العقلي للأطفال. ويُستدل عليه من خلال آثاره المتمثلة في القدرة على حل المشكلات أو اتخاذ القرارات.
  5. يعتمد على عدد من العمليات العقليَّة المتكاتفة لتحقيق الهدف، وهذه العمليات هي: الموازنة، والتصنيف، والتنظيم، والتجريد، والتعميم، والحسيّة، والتحليل، والتركيب، والاستدلال، والاستنباط، والاستقراء.

أساليب تدريب الأطفال على التفكير المنطقي:
ويجدر بالوالدين وبالمُعلِّمين تربية الأطفال على التفكير المنطقي منذ أن يصبحوا قادرين على الاستجابة لما يؤمرون به. وقد اقترح بعض الخبراء التربويين وعلماء النفس مجموعة من الخبرات والأساليب لتنمية التفكير المنطقي عند أطفال الروضة أذكر منها: 

(الحارثي، 2001، ص99)

  1. ترتيب الأشياء حسب الطول أو الحجم أو الوزن أو اللون... إلخ.
  2. الموازنة بين الأشياء وتعداد أوجه التشابه وأوجه الاختلاف فيما بينها.
  3. تمييز الجزء من الكل، أو التصنيف في مجموعات فرعية.
  4. فهم العلاقات السببية والارتباطات بين الأشياء.
  5. فحص خصائص الأشياء وترتيبها. 

وبناءً على ما سبق فإنّ التفكير المنطقي مدخل لا بد من ولوجه للوصول إلى التفكير الناقد ثم التفكير الإبداعي الذي هو غاية التربية الكبرى.

 

أهمية تدريب الأطفال على التفكير المنطقي

محمود طافش