أهمية الكشف المبكر عن ذوى صعوبات التعلم

تشكل قضية الكشف المُبكِّر عن ذوي صعوبات التعلُّم أهمية بالغة، إلى حد يمكن معه تقرير أن فعاليات التدخُّل العلاجي تتضاءل إلى حد كبير مع تأخر الكشف عنهم، حيث تتداخل أنماط الصعوبات وتصبح أقل قابلية للتشخيص والعلاج.



 الافتراضات التي نقيم عليها اهتمامنا بضرورة الكشف المُبكِّر عن ذوي صعوبات التعلُّم:

  • أن صعوبات التعلُّم التي يعانها الطفل تستنفدُ جزءاً عظيماً من طاقاته العقليَّة والانفعاليَّة، وتسبب له اضطرابات انفعاليَّة أو توافقية تترك بصماتها على مجمل شخصيته، فتبدو عليه مظاهر سوء التوافق الشخصي والانفعالي والاجتماعي، ويكون أميل إلى الانطواء أو الاكتئاب أو الانسحاب وتكوين صورة سالبة عن الذات.
  • أن الطفل الذي يعاني صعوبات التعلُّم هو من ذوي الذكاء العادي أو فوق المتوسط، وربما العالي، ومن ثم فإنه يكون أكثر وعياً بنواحي إخفاقه الدراسي في المدرسة، كما يكون أكثر استشعاراً بانعكاسات ذلك على البيت، وهذا الوعي يولد لديه أنواعاً من التوترات النفسيَّة والإحباطات التي تتزايد تأثيراتها الانفعاليَّة بسبب عدم قدرته على تغيير وضعه الدراسي. وانعكاسات هذا الوضع على كل من المدرسة والبيت.
  • أننا حين لا نعمل على الاهتمام بالكشف المُبكِّر عن ذوي صعوبات التعلُّم، إنّما نهيئ الأسباب لنمو هؤلاء الأطفال تحت ضغط الإحباطات المستمرة، والتوترات النفسيَّة، وما تتركه هذه وتلك من آثار مدمرة للشخصيَّة، فضلاً عن إبعادهم عن اللحاق بأقرانهم، وجعلهم يعيشون على هامش المجتمع، فيصبحون انطوائيين أو منسحبين أو عدوانيين أو بصورة عامة أطفال مشكلين، بما يترتب على ذلك من تداعيات تنسحب آثارها على كل من الطفل والأقران والبيت والمدرسة والمجتمع.
  • أن الخصائص السلوكيَّة لذوي صعوبات التعلُّم والمشكلات المرتبطة بها قابلة للتحديد والتمييز، على الرغم من تباين أنماط هذه المشكلات لدى أفراد هذه الفئة، إلا أن هناك خصائص سلوكيَّة مشتركة يشيع تكرارها وتواترها لديهم وترتبط بنمط الصعوبة النوعيَّة، التي تمثل فئات فرعية أو نوعيَّة داخل مجتمع ذوي صعوبات التعلُّم، ومن ثم فهي تمثل نقطة البداية في أي برنامج للكشف عن ذوي صعوبات التعلُّم وتصنيفهم.
  • أن المُدرِّس هو أكثر الأشخاص وعياً للمظاهر أو الخصائص السلوكيَّة التي ترتبط بذوي صعوبات التعلُّم من حيث التكرار (Frequency)، والأمد (Duration)، والدرجة (Degree)، والمصدر (Source). ولذا فإن المدرسين هم أكثر العناصر إسهاماً في الكشف المُبكِّر عن ذوي الصعوبات، والمشاركة في وضع وتنفيذ البرامج العلاجيَّة لهم خلال الأنشطة والممارسات التربويَّة داخل الصف.
  • أن المُدرِّس هو أكثر الفئات المهنيَّة قدرة على تقويم مدى فاعليَّة البرامج والأنشطة والممارسات التربويَّة، والتغيُّر أو التقدُّم الذي يمكن إحرازه من خلال هذه البرامج أو تلك الأنشطة، بسبب طبيعة الدور التربوي والمهني الذي يؤديه من ناحية، وبسبب درايته واستغراقه، وخبراته بالأنشطة والمُقرَّرات الأكاديميَّة، التي قد يخفق فيها ذوو صعوبات التعلُّم في الوصول إلى مستويات الأداء المطلوبة من ناحية أخرى، مما يمكنه من تقويم مدى التباعد بين الأداء الفعلي والأداء المتوقع.
  • أننا حين نكشف عن السبب والنتيجة في العلاقة بين صعوبات التعلُّم العامة أو النوعيَّة، والاضطرابات المعرفيَّة والأكاديميَّة والانفعاليَّة المصاحبة لها، نكون قد أسهمنا إسهاماً فعالاً في تهيئة الأسباب العلميَّة لإعداد البرامج العلاجيَّة لذوي الصعوبات. حيث تختلف البرامج والأنشطة التربويَّة والعلاجيَّة باختلاف كون صعوبات التعلُّم والاضطرابات المصاحبة لها سبباً أو نتيجة.
  • أن الطبيعة المتباينة أو غير المتجانسة لذوي صعوبات التعلُّم تدعم اتجاه التشخيص الفردي لهم، وعلى ذلك يكون المُدرِّس أقدر العناصر على تحليل السلوك الفردي للتلاميذ، من حيث أمده وتواتره وتزامنه، الأمر الذي يجعل تقدير المدرسين للخصائص السلوكيَّة لذوي صعوبات التعلُّم أكثر فاعليَّة من استخدام الاختبارات الجماعيَّة.
  • أن المشكلة الرئيسة لدى التلاميذ ذوي صعوبات التعلُّم تكمن في شعورهم بالافتقار إلى النجاح، فمحاولات الطفل غير الناجحة تجعله يبدو أقل قبولاً لدى مدرسيه وأقرانه، وربما لدى أبويه حيث يدعم إخفاقه المتكرر اتجاهاتهم السالبة نحوه، ومن ثم يزداد لديه الشعور بالإحباط، مما يؤدي إلى مزيد من سوء التوافق وتكوين صورة سالبة عن الذات، ويصبح هؤلاء الأطفال غير قادرين على الحصول على تعاون الآخرين، كالأقران والمدرسين والأسرة، مما يعمق لديهم الشعور بالعجز.


قضايا ومشكلات الكشف المُبكِّر عن ذوي صعوبات التعلُّم:
ينطوي التحديد المُبكِّر لذوي صعوبات التعلُّم على عدد من القضايا والمشكلات المعقدة والمتداخلة، والتي تلقي بظلالها على مجال صعوبات التعلُّم، ومنها:

  • التباين في خطوط النمو ومُعدَّلاته، والنضج وخصائصه، ينتظم جميع الأطفال العاديين وغير العاديين.
  • إن تحديد المتباعدات أو التباينات بين الأداءات الفعلية والأداءات المتوقعة في ظل هذه التباينات يشكل إحدى الصعوبات التي تعترض عمليات التحديد.
  • تقف هذه الصعوبات وغيرها من العوامل الأخرى خلف مختلف قضايا التحديد المُبكِّر ومشكلاته، والتي يجب أن توضع في الحسبان عند تقويم نتائج التحديد المُبكِّر والحكم على فاعلياته.
  • والقضايا والمشكلات الأساسيَّة التي تتصدى عمليات التحديد المُبكِّر لذوي صعوبات التعلُّم هي: هلامية أو غموض التشخيص، أو الفروق أو الاختلافات النمائيَّة، أو دلالات التسميات أو المسميات.


أولاً: هلامية أو غموض التشخيص:

  • تفتقر إجراءات تحديد وتشخيص ذوي صعوبات التعلُّم غالباً إلى الدقة أو الحنكة، وخاصة مع صغار الأطفال من المستويين الخفيف والمتوسط (mild disabilities) منهم.
  • يصعب القطع بانتماء هؤلاء إلى الأطفال إلى ذوي صعوبات التعلُّم، اعتماداً على ظهور بعض الخصائص أو الأعراض أو المُحدِّدات التي تقترب بهم منهم.
  • الأطفال ذوو القصور أو الصعوبات الشديدة فإن الأعراض والخصائص السلوكيَّة التي تصدر عنهم تمكن القائمين بالتشخيص من التحديد الدقيق لتلك الصعوبات.
  • كشفت الدراسات التي استهدفت تحديد ذوي الصعوبات الحادة (Severe) مقابل ذوي الصعوبات الخفيفة والمتوسطة (mild)، عما يأتي:
    • بينما كان ظهور أعراض التأخر العقلي الشديد مبكراً (عند عمر 8,7 شهور) كان ظهور أعراض التأخر العقلي المتوسط في عمر زمني أكبر (34.5 شهراً).
    • بينما كانت الفترة الزمنيَّة المنقضية بين مظاهر الشك في تشخيص التأخر العقلي الشديد، والتأكُّد من صحة تشخيصه (6.2) شهور كانت الفترة المنقضية بين مظاهر تشخيص التأخر العقلي المتوسط والتأكُّد من صحة تشخيصه (12) شهراً.
    • أن تشخيص الصعوبات المعرفيَّة المتوسطة أكثر مشقة في الكشف عنها وتشخيصها من الصعوبات الحادة أو الشديدة.


ثانياً: الفروق أو الاختلافات النمائيَّة:
تشكل الفروق أو الاختلافات النمائيَّة مشكلة أخرى تعترض الكشف المُبكِّر عن ذوي الصعوبات من حيث:

  • يمكن أن تظهر أنماط نمائية أحادية خلال فترات النمو السريع في الطفولة من حيث النمو الجسمي أو الحركي، على حين يبدو نمو الجهاز العصبي المركزي بطيئاً نسبياً.
  • أن النمو العقلي قد لا يواكب النمو الجسمي أو الحركي أو الانفعالي، ومثل هؤلاء الأطفال يكتسبون مشكلات إدراكيَّة حركيَّة، كما يكتسبون مشكلات في الانتباه.
  • قد يتباين نمو الجهاز العصبي المركزي فيؤدى إلى تميز في إحدى القدرات (اللغة مثلاً)، على حين يكون نمو باقي القدرات أو المهارات محدوداً (مثل التآزر الحركي).
  • أشارت اللجنة القوميَّة الاستشارية لصعوبات التعلُّم في تقرير لها عام (1986)، أنّ الطفل يكون في موضع الخطر إذا كان من الصعب تحديد الاضطرابات أو الصعوبات النمائيَّة المستقبليَّة بالنسبة إليه. أو عندما يتم عَدُّه من ذوي صعوبات التعلُّم اعتمادا على بعض المظاهر السلوكيَّة الزائفة. ويرجع هذا بالطبع لتأثير الفروق أو الاختلافات النمائيَّة على التشخيص.
  • حيث إنه من الصعب غالباً تقويم نمو الجهاز العصبي المركزي فإن أفضل مساعدة يمكن أن تقدم للطفل يشك القائم بالتشخيص diagnostional)) أنه محل أو موضع خطر، هو أن تقدم له الخدمات والاحتياجات التي تقدم لذوي صعوبات التعلُّم، فإذا كان التشخيص صحيحاً فإن الطفل يكون قد استفاد من الخدمات التربويَّة التي تقدم لذوي صعوبات التعلُّم. وإذا كان التشخيص خاطئاً فإنه يكون قد استفاد من هذه الخدمات الإضافية.
  • على أننا نرى أن هذا الرأي يتجاهل الآثار النفسيَّة المترتبة على عَدّ الطفل من ذوي صعوبات التعلُّم والإيحاءات المصاحبة لذلك.


ثالثاً: التسميات أو المسميات:
أصبحت قضية أو مشكلة التسميات من المشكلات الكبرى، بسبب صعوبة التأكُّد من دقة التشخيص والكشف المُبكِّر عن ذوي صعوبات التعلُّم. وقد أدى هذا إلى أن العديد من الأطفال أُطلقت عليهم تسميات غير حقيقيَّة أو غير مطابقة لوضعهم الحقيقي mislabeled)). فضلاً عن الآثار الجانبية المصاحبة التي تتركها هذه التسميات ومنها:

  • أن هذه التسميات تؤثر على توقعات المدرسين بالنسبة إلى هؤلاء الأطفال، وعلى نظرتهم إليهم وتعاملهم معهم. مما يؤثر بدوره تأثيراً سالباً في تقدير الأطفال ذوي صعوبات التعلُّم لذواتهم، وتفاعلاتهم مع مدرسيهم وتعلُّمهم منهم.
  • تؤدى هذه التسميات إلى إعاقة التقدُّم التعليمي أو التربوي للطفل ذي الصعوبة. فيصبح أقل ميلاً إلى الإنجاز الأكاديمي وأكثر توجهاً إلى الانسحاب من مواقف التنافس التحصيلي، والتفاعل مع الأقران. وينمو لديه شعور بالدونية أو بالعجز مما يؤثر في توافقه الشخصي والاجتماعي (الزيات 1988).
  • ينتقل تأثير هذه التسميات إلى الأسرة فتبدو ردود الأفعال من أعضاء أسرة الطفل ذي الصعوبة في الاتجاه غير المرغوب فيه، مما يعكس اتجاها سالباً نحوه، ويتبادل الطفل أيضاً الاتجاه السالب نفسه مع أعضاء الأسرة، وكذا المدرسين وجماعة الأقران وتتزايد الضغوط النفسيَّة المحيطة بالطفل داخل وخارج البيت مما يدعم لديه الشعور بالعجز.
  • إلى جانب تأثير هذه التسميات على تقدير الطفل ذي الصعوبة لذاته ومفهومه عن نفسه، فإنها تؤثر في طموحاته الأكاديميَّة وتوقعاته من النجاح، فتقل توقعات النجاح وتزداد توقعات الإخفاق، وينحسر جهده ويتضاءل لديه الدافع للإنجاز، ويبدو محبطاً قلقاً أقل ثقة بذاته وبقدراته ومعلوماته.


ولتفادي هذه الآثار المترتبة على قضية التسميات نقترح ما يأتي:

  • يجب أن يقوم بتدريس هؤلاء الأطفال، ذوي صعوبات التعلُّم، مدرسون مُدرِّبون ذوو اتجاهات موجبة نحوهم، ومُتفهِّمون لطبيعة هؤلاء الأطفال وخصائصهم العقليَّة المعرفيَّة، والانفعاليَّة الدافعيَّة والحركيَّة المهاريَّة.
  • يجب على هؤلاء المدرسين تجنب التأثر بهذه التسميات في تعاملهم مع هؤلاء الأطفال، وتحديد توقعاتهم منهم، وتفاعلهم معهم، وأن يوازنوا بين خصائصهم تلك، والحرص على تحقيق التقدُّم الأكاديمي الملائم للنمو السوي لهؤلاء الأطفال.
  • ترسيخ الاعتقاد لدى هؤلاء الأطفال بقابلية الصعوبات التي لديهم للعلاج، وبإمكانيَّة أن يصبحوا عاديين، حتى تستمر رغبة الطفل ومحاولاته في تجاوز الصعوبة التي تعوق بلوغه حاله السواء.

 

الموسوعة العربيَّة لتطوير الذات

محاضرة، صعوبات التعلُّم أين مدارسنا منها؟  الدكتور فتحي الزيات