أهمية التدريب في حياة الإنسان

لكي يظل المُوظَّف على دراية بمجريات التقنيات الحديثة، وبآخر ما توصَّل إليه العلم الحديث، والبحث العلمي، تلجأ الشركات والمُؤسَّسات إلى إنشاء قسم مهامه متابعة وتطوير المُوظَّفين وتلبية حاجاتهم الضروريَّة (تنميَّة الموارد البشريَّة) التي تُسهِّل عمليّة تحقيق الإنجاز الجيد في العمل وتسرِّعها، ويكون ذلك من خلال البرامج التدريبيَّة التي يحتاج إليها كل مُوظَّف حسب مجال عمله.

 



كما تسعى إلى تنميَّة مهاراتهم الإداريَّة، والفنيَّة عن طريق إلحاقهم بدورات تدريبيَّة أو محاضرات تُعَدُّ داخل الشركة أو المؤسسة أو خارجها من قِبَلِ مراكز ومعاهد تدريب مُتخصِّصة في ذلك، وهذه الدورات والمحاضرات تُعَدُّ سنوياً في جدول زمني (الخطة السنوية للمُؤسَّسة)، وتُخَصَّصُّ لها ميزانيَّة خاصة.

إنَّ التدريب المستمر للمُوظَّف يجعله دائم الاتصال بما يحدث في العالم لكي يسعى لمواكبة التطوُّرات العلميَّة في شتى المجالات التي تهمه، وتساعده على تطوير نفسه في الحقل الذي يعمل فيه. فالمُؤسَّسات الأمريكية مثلاً تنفق حوالي (51) مليون دولار أمريكي سنوياً على تدريب القياديين، وهذا يُظهِر لنا مدى أهمية التدريب ذاته في وقتنا الحاضر والذي هو دائم التغيير، وقد اختلفت الكثير من مفاهيم الإدارة، وتغيَّرت عن ذي قبل وذلك لتواكب احتياجات العصر، وعدم العلم بهذه الأمور قد يجعلنا في صفوف الجهلة في يومٍ من الأيام يقول الإمام علي كرم الله وجهه: (الناس أعداءُ ما جهِلوا).

وعن أهمية التدريب يقول "مالكولم بيل" لا يمكن عَدُّ منافع التدريب أشياء مسلَّماً بها، فبعض الأشخاص يَعُدُّون التدريب تضييعاً للوقت، وإبعاداً لهم عن نشاطات أكثر أهمية والكثير من الأشخاص لم يتلقوا تدريباً قط أو تلقوا قليلاً منه خلال حياتهم العمليَّة، وهم لا يشعرون بالنقص نتيجةً لذلك ولا يشعرون بأي نقص لديهم في التدريب. وبعض أرباب العمل ومديري الأعمال ينظرون إلى التدريب على أنّه عبارة عن نفقات لا يمكنهم تحمُّلها، وأنَّ التدريب هو الذي يتلقى أول التخفيضات في النفقات عند الرغبة في الاقتصاد. لكن التدريب الجيد كان دائماً شيئاً مهماً، وهو اليوم أكثر أهمية، ولا يمكن لأحد اليوم أن يتعلَّم كل ما سوف يحتاج إليه في مجاله المهني في بداية ممارسته لهذه المهنة. فبغض النظر عما نمارسه من عملٍ فإن هذا العمل يتغيَّر مع الزمن، وتأتي هذه التغيُّرات من مسببات كثيرة.

إنَّ ما يحزن هو أن ترى الكثير من الشركات والمُؤسَّسات تهتم بشكلٍ كبيرٍ فقط بالجانب العملي (المهني) حيث تقوم بإرسال المُوظَّفين إلى دورات فنيَّة حسب مجال عملهم، فتقوي فيهم هذا الجانب وتنسى جوانب أخرى لا تقل أهمية عن الأولى وهي الجانب النفسي والجانب الذهني والجانب الجسدي. فالمنتج يعتمد على ثلاثة عوامل هي: الوقت والمال والجودة، فالوقت هو فترة دوام المُوظَّف، والمال تدفعه جهة العمل، والجودة تتوقف على أداء المُوظَّف. وأداء المُوظَّف يتوقف على عوامل كثيرة أولها خبرته وعلمه في مجال عمله ثم الجانب النفسي والجانب الذهني والجانب الصحي والجانب العائلي. فلو كان المُوظَّف بالغ الذكاء وذا مهارةٍ عاليةٍ في مجال تخصُّصه، ولديه مشاكل عائليَّة أو أصيب بحالة نفسيَّة سيئة كما هو حال البشر، أو كان هناك ما يشغل تفكيره ويؤرق باله فلن يؤدي عمله بالشكل المعتاد، هذا إن لم يتوقف عن العمل. ولذا يحتاج المُوظَّفون إلى الاهتمام بحالاتهم النفسيَّة والذهنيَّة والجسديَّة وتطويرهم في هذا المجال، فهذا يشعرهم بأهميتهم وقيمتهم وهو الأمر الذي يجعل المُوظَّف يعمل وهو مستمتع.

فالإنتاجيَّة تتوقف على المُوظَّف الذي يحتاج إلى تطوير بقية الجوانب بالإضافة إلى الجانب المهني. ويذكر عميد فلاسفة الإدارة والأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية (بيتر دراكا) في كتاب (ممارسة الإدارة) عن أهمية التطوير الذاتي للمديرين والمُوظَّفين بحيث لا تتولى المُؤسَّسة كل المسؤوليَّة، لأن التطوير الذاتي يجب أن ينبع من داخل الفرد، ويُوضِّح ذلك بقوله:

ولأن التطوير ما هو إلا تطويرٌ للذات، فمن غير المعقول أن تأخذ مُؤسَّسةٌ على عاتقها مسؤوليَّة تطوير الفرد فالمسؤوليَّة تقع على الفرد وعلى قدراته ومجهوداته فلا توجد مُؤسَّسة تحل جهودها محل جهود الفرد في تطوير ذاته فالقيام بذلك ليس فقط أبوة بدون أي داعٍ ولكن أيضاً تظاهر أحمق. وتتاح لكل مدير في أي عمل الفرصة لتشجيع التطوير الذاتي للفرد أو إعاقته أو لتوجيهه توجيهاً صحيحاً أو خاطِئاً ويجب أن يعهد إليه بمسؤوليَّة مساعدة جميع الأشخاص الذين يعملون معه على تركيز جهودهم وتوجيهها واستخدامها لتطوير الذات بطريقة مجدية. وفي مقدور كل شركة أن توفر لمديريها تحديات التطوير بشكل نظامي.

ويقول جون زينجر في كتابه "22 سراً إدارياً لتحقيق الكثير بالقليل": إنَّ الحاجة ماسة إلى التدريب بالفعل. فالمنافسة العالميَّة والقوة العاملة دائمة التغيير، والأشكال الإداريَّة الجديدة والتكنولوجيا الحديثة كلها أمور قد فرضت مُتطلَّبات وأعباء ضخمة على أفرادنا، وإذا كان على قوة عاملة صغيرة في شركة قلصت حجمها أن تؤدي وحدها كل الأعمال فلابد من أن نرفع مستوى مهاراتها.

وعن أهمية التدريب في زيادة مدخول الفرد، بينت الأبحاث والدراسات أن التدريب أدى إلى زيادة أجور المُوظَّفين بنسبة تتراوح قيمتها بين (4%) و (11%)، كما بيَّنت الأبحاث أن الشركات حقَّقت أرباحاً تفوق نسبة الزيادة التي حصل عليها المُوظَّفون بأكثر من ضعفين. وفي دراسة أخرى بيَّنت أن زيادة نفقات التدريب بنسبة (10%) حقَّقت نسبة تحسن الإنتاجيَّة بنسبة (3%).