أهم أدوار المدرس وتقنيات التنشيط في بيداغوجيا الكفايات

د. التوفيق التضمين:

توطئة: حتى الآن، وفي غياب نماذج عملية كافية قابلة للتطبيق الميداني، نماذج متكاملة مع مقتضيات واقع وحاجات إنسان العصر الحديث عامة، وإنسان الأمة المغربية والعربية الإسلامية خاصة، رامية إلى إيجاد إنسان منفتح على محيطه بكل مكوناته، مساهم بفعالية في تحقيق تنميته الشاملة، فإنه قد يكون الآوان قد آن لفتح الباب أمام التجريب التربوي المعقلن للإدلاء بدلوه، في محاولة لتأسيس قاعدة بيانات، قد تسمح بتوفير المطلوب من تلك النماذج الموجودة، نماذج تم إخضاعها للتجريب اللآزم لتحقيق الجودة اللازمة لنظام التربية والتكوين لزوم الروح للجسد ونحن على عتبة الألفية الثالثة.
في هذا الإطار العام، وقد أصبح التدريس بالكفايات اختيارا استراتيجيا، جاءت هذه المحاولة التي تحوم حول أهم أدوار المدرس، وتقنيات التنشيط في ظل بيداغوجيا الكفايات، لتلازمهما وتكاملهما، كأهم ميزة تؤشر على درجة أهميتهما إلى مستوى الأداء الديداكتيكي والبيداغوجي.



تقديم عام:
قبل الحديث عن تقنيات التنشيط وأهم الأدوار التي يؤديها المدرس الحديث في تدبير وتسيير الحصص التعليمية أو مختلف الأنشطة التكوينية في إطار المهام الموكلة إليه، تجدر الإشارة إلى العلاقة الجدلية الموجودة بالقوة بين تلك الأدوار من جانب، وأساليب وتقنيات التنشيط من جانب آخر، والتي تستهدف في نهاية المطاف إكساب المتعلمين قدرات معينة، أو تطويرها، أو تصحيحها مما يخدم تحقيق الكفاية أو الكفايات المسطرة في نهاية حصة دراسية معينة، ضمن مادة أو مجموعة مواد، أو في نهاية وحدة دراسية، أو دورة تكوينية، أو سلك دراسي.

ذلك لأن الأبحاث التجريبية الحديثة حول السلطة والقيادة وأساليب التسيير والتنشيط، قد أتاحت لعلماء النفس والتربية خلال العقود الأخيرة، تحديد ثلاثة أساليب رئيسة للتنشيط بالأخذ في الحسبان خصائص كل منها، ونتائجها العامة على مردودية وسلوك وإنتاج الجماعات، ولكل أسلوب منها آثار شديدة الاختلاف على الجماعة، يترتب على الأخذ بأي منها انعكاسات محسوبة بالنسبة إلى عمل الجماعة ومردوديتها وتقدمها نحو أهدافها، وهي على العموم لا تخرج عن الأشكال الثلاثة الآتية:

  1. أسلوب سلطوي أو توجيهي:
    وفي هذا الأسلوب يؤكد المنشط دوره بعدِّه قائدا، فهو يضع جميع التوجيهات والتعليمات، ويؤمن الانضباط والنظام، ويسير الجماعة بحسب خطة وضعها مسبقا لم يطلع الجماعة عليها، بحيث لا يكون توجيه الأنشطة واضحا أبدا وثابتا بالنسبة إلى الجماعة. إنه يفرض المهام، ويوزعها، ويكون الجماعات الفرعية. كما يتتبع ويراقب الإنجازات ويقومها، ويتخذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب.
  1. أسلوب ديموقراطي:
    وهو الأسلوب المناسب لبيداغوجيا الكفايات عموما، حيث يحاول المنشط في هذا الأسلوب الاندماج في الجماعة، فالتوجيهات ليست سوى اقتراحات تكون موضوع مداولة بين أفراد الجماعة، اقتراحات يثيرها المنشط ويشجعها. وقد يكون التعاون كليا ـ لا يحدد المنشط سوى الأهداف المروم تحقيقها، ثم يتحول إلى عضو من الجماعة ـ أو جزئيا ـ يقترح المنشط خطة عمل، ثم يشارك بكيفية ديموقراطية في تنفيذ الخطة.
  1. أسلوب فوضوي:
    وفيه يكتفي المنشط بتقديم العمل ويترك المشاركين أحراراً تماماً في أن يفعلوا ما يودون فعله. إنه لا يتدخل على أي مستوى، لا من أجل المشاركة في العمل، ولا من أجل إعطاء توجيهات، أو الإعلان عن اتفاقه أو عدم اتفاقه، ويجيب عن الأسئلة بكيفية غامضة، ويتخلف تلقائيا عن الجماعة، وفي غالب الأحيان تتخلى الجماعة أيضاً عن أداء المهمة نتيجة تخلف المنشط عن أدائها.
    تأسيساً على ما سبق، فإن المدرس الذي يروم أداء معقولا، وتحقيق نتائج طيبة على مستوى نجاح طلابه في تحقيق الكفايات المرسومة، عليه أن يدرك بأن عليه أن يضطلع بأدوار جديدة تساير روح الديموقراطية وريحها التي ما فتئت تهب وتزداد خلال بداية الألفية الثالثة على كل أقطار هذا العالم على كافة المستويات، بما في ذلك عالم التربية والتكوين.
    وقد يحدث أن يستصعب البعض هذه الأدوار التي سنأتي على ذكرها، وقد يذهب البعض الآخر إلى القول باستحالة تنفيذها على أرض الواقع العملي الميداني، لكن واقع الحال والممارسة العملية الميدانية، يؤكدان أنها من الأدوار التي درج عليها كل الأساتذة في تأدية مهامهم اليومية بانتظام، ولعل منشأ الصعوبة التي قد تعرض لبعض هؤلاء مرده في الأساس إلى الدعوة الجديدة للانتقال من التعليم الذي مورس بدغمائية مركزة على التلقين سنين عددا داخل الصفوف الدراسية، وعلى مركزية المدرس بكونه مالكا للمعرفة، في مقابل سلبية المتعلم، وحصر دوره في التلقي والاستيعاب الآلي للمعرفة استعدادا للامتحان ليس إلا، بمعنى الانتقال إلى التعلم المؤكد على مركزية المتعلم وفاعليته ومشاركته في بناء المعرفة بنفسه، وذلك عبر مساعدته، وبمده بحد أدنى من المعارف والمهارات والخبرات العملية وغيرها مما هو مظنة تبليغه الوصول إلى إنتاج المعرفة ذاتيا بعد تملكها، وبعبارة أخرى مساعدته على بناء كفايات متعددة المجالات تمكنه من التكيف مع واقعه بإيجابية.
    وإذا ما أضفنا إلى ذلك كله، الخلط الملاحظ على مستوى تمثل العديد من الأساتذة لطبيعة بيداغوجيا الكفايات كنسق تعليمي يعمل بالأساس على تنمية القدرات المساعدة على تحقيق الكفايات بوصفه مجالاً للاشتغال الصفي، علاوة على سيادة ميول لدى غالبيتهم نحو النزعة التجزيئية التي تجعل مكونات المنهاج مستقلا بعضها عن البعض، واعتقاد البعض بأننا انتقلنا من مدخل الأهداف، إلى مدخل آخر مستقل وهو مدخل الكفايات، ومن ثَمَّ فهم يستبعدون أية علاقة بين المدخلين أو الاختيارين ـ كما يذهب العديد من الباحثين ـ كل ذلك شكل بعض مواطن الحيرة التي وقع فيها جل رجال التعليم العاملين في الميدان على الخصوص حتى الآن ـ فيما نذهب إليه.
    بعد كل هذا وذاك، ومن أجل إلقاء بعض الضوء على نماذج من تلك الأدوار الجديدة المطلوبة من المدرس في ظل بيداغوجيا الكفايات والتدريس بالوحدات ـ وهذا مجال فسيح للنقاش والتجريب الديداكتيكي ـ تقترح الورقة الآتية بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر، من أجل الإحاطة والمعرفة والاستشعار أولا، في أفق محاولة التجريب الميداني، وكل ذلك في غياب النموذج العملي في هذه البيداغوجيا كما أسلفنا، وإليك أهم هذه الأدوار وطرائق التنشيط: