أساليب بسيطة في تحقيق التدريب المجدي

لم يكن سؤالنا عن دور تلك التقنيات في تحسين عمليَّة التدريب، فقد كنّا نريد أن نرى إذا كانت التقويمات الإيجابيَّة تترجم إلى تحسّنٍ يلمسه المُتدرِّب بنفسه فعلاً في فاعليّته الوظيفيَّة.



ما المهمّ، ما المجدي، وما غير المجدي من أساليب وتقنيات التدريب، طرحنا على (4967) مشاركاً في دراستنا السّؤال عن عناصر التدريب المُستخدَمة في تجاربهم التدريبيَّة الأخيرة وكيف أثّر غياب أو حضور تلك العناصر في فاعليّتهم الوظيفيَّة (job effectiveness).

لم يكن سؤالنا عن دور تلك التقنيات في تحسين عمليَّة التدريب، فقد كنّا نريد أن نرى إذا كانت التقويمات الإيجابيَّة تترجم إلى تحسّنٍ يلمسه المُتدرِّب بنفسه فعلاً في فاعليّته الوظيفيَّة. وبناءً على تحليل إجابات المُتدرِّبين المشاركين في الدراسة نذكّر في السطور الآتية بأهمّ المقوّمات الواجب توافرها في التدريب المثمر.

 

 حل المشكلات

يُخبرنا اختصاصيّو علم النفس بأنّ البشر يتذكرون الأشياء على نحوٍ أفضل عندما يبذلون جهداً في تعلّمها. مثلاً:

وجدت إحدى الدراسات الكلاسيكية عام (1979) أنّ المُتدرِّبين الذين حلّوا ألغازاً لغويَّة صعبةً في أثناء تعلُّمهم تذكروا معلوماتٍ أكثر بكثير من المُتدرِّبين الذين كانوا يطالَبون بحل ألغاز لغويَّة أسهل.

عندما تعترضنا مهمة حل المشكلة (problem solving)، فإنّنا نندمج في المادة المدروسة بعمقٍ أكثر، فننظر إلى المعلومات من زوايا مختلفة، ونفكّر في الصورة الشاملة، وننشئ المزيد من الارتباطات بين العناصر الملاحظة. ولكلّ هذا الجُهد حصيلةٌ ثمينة. فبالفعل، من بين كلّ ممارسات التدريب التي سنعرضها هنا، تُبرز ممارسة حلّ المشكلات التأثيرَ الأكبر في فاعليَّة التدريب.

في دراستنا قال (86%) من المشاركين الذين تضمّن تدريبهم تحدّي حل المشكلات إنّ تدريبهم جعلهم أكثر فاعليَّة في وظائفهم. وفي الجانب الآخر (33%) فقط من الذين لم يمارسوا حلّ المشكلات في تدريبهم قالوا إن ذلك التدريب أفادهم في تحسين فاعليّتهم الوظيفيَّة. وزيادةً على تحسين الفاعليَّة الوظيفيَّة، يبدو أن لحل المشكلات دوراً كبيراً في استمتاع المُتدرِّبين بالتدريب.

 

الأمثلة المُتعدِّدة

الأداة الأخرى المهمّة في تحسين فاعليَّة المُتدرِّبين الوظيفيَّة هي استخدام الأمثلة المُتعدِّدة. حيثُ يستخدم معظم النّاس الأمثلة عند تعليم موضوعٍ جديد. فالأمثلة تساعد المُتدرِّبين على رؤية القضايا في سياق الحياة الواقعيَّة، وتساعد على جعل المفاهيم المُجرَّدة ملموسة. ولكن في كثيرٍ من الأحيان نستخدم مثالاً واحداً وحسب لتبيين وجهة نظرنا.

بيّنت الدراسة أنّه كلّما كثرت الأمثلة التي يراها المتلقّون ازداد حجم ما يتذكّرونه من الموضوع. حيث إنّ إحدى الدراسات وجدت أنّ المُتعلِّمين الذين تلقّوا ثلاثة أمثلةٍ استرجعوا معلوماتٍ تزيد عن ضعفَي المعلومات التي حفظها من تلقّوا مثالاً واحداً. من منظورٍ إدراكيّ فإنّ استخدام الأمثلة المُتعدِّدة يشجّع على ممارسة تفكير التوسّع والإغناء (elaboration).

فبالأمثلة المُتعدِّدة يتمكَّن المُتدرِّبون من توسيع الفكرة الجديدة وتعميقها وربطها بما يعرفون من قبل. في دراستنا، قال (87%) من المشاركين الذين احتوى تدريبهم على أمثلةٍ مُتعدِّدةٍ إن التدريب جعلهم أكثر فاعليَّة في أداء وظائفهم، وفي الجانب الآخر أفادَ (55%) من الذين لم يحتوِ تدريبهم على أمثلةٍ عديدة بأنّ ذلك التدريب قد حسّن فاعليتهم الوظيفيَّة.

 

الممارسة

تضمين المراس (practice) في التدريب هو مطلبٌ بديهي. ولا بدّ من وجود أسبابٍ عمليَّة وجيهة لشيوع مقولاتٍ مثل "الممارس غلب الفارس". تتيح الممارسة للمُتدرِّبين فرصة الحصول على التغذية الراجعة بشأن تمكّنهم من المهارات الجديدة، وعندما تعترضهم المشكلات فإنّ المساندة اللازمة موجودةٌ لوضع أيديهم على مواضع الخطأ في التطبيق. وبالإضافة إلى ذلك تدفع الممارسة المُتدرِّبين إلى تمثّل (internalize) المعلومات التي يتلقّونها.

إنّها لا تدع مجالاً لترك المعلومات تدخل من أذنٍ وتخرج من الأخرى، فحتّى يتمكَّن المُتدرِّبون من التطبيق لا بدّ لهم من تناول المعارف الجديدة في مستوىً أعمق. إنّ معرفتنا بأهميّة الممارسة بوصفها مُكوَّناً جوهرياً في التدريب جعلتنا نذهل عندما وجدنا أنّ الذين تضمّن تدريبهم ممارسةً لا يتجاوزون نصف المشاركين في دراستنا.

لقد أشارت الدراسةُ إشارةً واضحةً إلى أهمية الممارسة: فواحدٌ وتسعون في المئة من المشاركين في الدراسة الذين احتوى تدريبهم على الكثير من الممارسة قالوا إِنَّ التدريب جعلهم أكثر فاعليَّة في وظائفهم، بينما خمسةٌ وخمسون في المئة من الذين لم يحتو تدريبهم على ممارسة ثمينة قالوا ذلك.

 

التخطيط التنفيذي

العنصر الجوهري الرابع الذي أبرزته دراستنا في التدريب هو التخطيط التنفيذي (action planning). تسعون في المئة من المشاركين الذين احتوى تدريبهم على تخطيط تنفيذي قالوا إن التدريب جعلهم أكثر فاعليَّة في وظائفهم، بينما ستون في المئة من الذين لم يحتوِ تدريبهم على التخطيط التنفيذي قالوا ذلك. إنّ وضع الخطة التنفيذية يجعل المُتدرِّبين يستكشفون كيفيَّة استخدام مهاراتهم أو معارفهم الجديدة في حياتهم العمليَّة. ومن خلال تخيّل كيفيَّة ارتباط المعلومات الجديدة بعملهم اليومي فإنّ المُتدرِّبين يدخلون في مستوىً أعمق لمعالجة تلك المعلومات. يقوم الدماغ بالمكاملة بين الأفكار والمهارات الجديدة وبين المعارف المتوافرة من قبل، وهكذا يصبح للمعارف الجديدة مغزىً أكبر ومعنىً أوسع، وتزداد فرصةُ استخدامها بالفعل من قِبَلِ المُتدرِّبين في حياتهم اليوميَّة.

 

ماذا تعني لك الدراسة السابقة؟

إنّها تعني أنّك لست في حاجةٍ إلى إرهاق نفسك في الكثير من المناورات والأساليب المعقّدة حتّى ترسمَ وتقدّمَ تدريباً فعَّالاً. إنّ زيادة محتوى التدريب من تقنياتٍ بسيطة مثل: حل المشكلات والممارسة والأمثلة العديدة والتخطيط التنفيذي سوف تمكّنك بالتأكيد من تزويد المُتدرِّبين بتدريبٍ يلمسون تأثيره الكبير في زيادة فاعليّتهم الوظيفيَّة كما يلمسون تفاعلهم العميق واستمتاعهم به في مكان التدريب.

 

من موقع مجلة عالم الإبداع