هذا المقال مأخوذ عن تجربةٍ شخصيَّةٍ للكاتب دانييل ستيوارت (Daniel Stewart) يحدِّثنا فيه عن خطوات تقديم كوتشينغ مميز.
شيء واحد فقط؟ كنت في حيرة من أمري؛ ليس لأنَّني لا أمتلك إجابة؛ بل لأنَّني أمتلك الكثير من الإجابات؛ لذا بدأت أخبره بكل المهارات الأساسية التي يحتاجها القادة مثل وضع توقعات واضحة، وتطوير المواهب، ومساءلة المُقصِّرين، وتحقيق النتائج المرجوة، وما إلى ذلك؛ فطلب مني التوقف وتسمية شيء واحد فقط.
بابتسامة محبطة، طرحت السؤال نفسه عليه: ما هو الشيء الوحيد الذي يحتاجه المطربون ليكونوا ناجحين؟ فأجابني بسرعة: "التنفس"، يحتاج المطربون إلى تعلُّم كيفية التنفس جيداً، وإلا فلن يتمكَّنوا من الغناء، لقد وجدت إجابته منطقية جداً؛ فهو لم يستبعد الحاجة إلى دراسة الموسيقى، والحفاظ على المقام الموسيقي، والشعور بإيقاع الألحان؛ بل اختصر كل هذه الأمور في نقطة واحدة، وهي السلوك الأساسي الذي يُمكِّن كل شيء آخر من التدفق بسلاسة وإنتاج موسيقى جميلة.
هكذا يفكر القادة الناجحون:
لقد كانت لدي الفرصة للتفكير في سؤاله الأصلي أكثر؛ فاستطعت تحديد إجابة، قد لا تكون إجابة رائعة، ولكن إن نُفِّذت تنفيذاً جيداً، فسوف تؤدي إلى إحداث التغيير بسلاسة أكثر، وبناء فرق أقوى، وتطوير قادة أكثر مرونة، فالإجابة هي الكوتشينغ يعني التحلي بالشجاعة للتعلُّم ومساءلة المُقصِّرين في التعلُّم أيضاً.
أنت لا تتعلم لمجرد أنَّ التعلم شيِّق؛ بل تتعلم لتحسين أدائك وتحقيق نتائج أفضل، ولتكون مستعداً لمواجهة التحديات، وسماع التغذية الراجعة والتشكيك في الافتراضات، والإيمان بأنَّه من خلال الألم، سيولد النجاح.
سواء كانت محادثة عابرة أم اجتماعاً رسمياً فردياً؛ فإنَّ عملية تقديم المدير كوتشينغ مؤثر للموظفين هو بالنسبة إلى القيادة بمثابة التنفس بالنسبة إلى الموسيقى، ويطرح الكوتشز المتميزون أسئلة استقصائية بانتظام، ويقدمون تغذية راجعة عملية وفي الوقت المناسب، ويتابعون الإجراءات ذات الأولوية، فيؤدي الكوتشينغ الرائع إلى قيادة رائعة.
كيف تقدِّم الكوتشينغ للموظفين بفاعلية؟
سواء كانت لحظة كوتشينغ مرتجلة أم محادثة كوتشينغ رسمية، فهذه هي الخطوات الخمس لتقديم كوتشينغ مؤثر.
ضع في حسبانك أنَّ عملية الكوتشينغ مبنية على افتراض أنَّ الكوتشينغ يتعلق بطرح الأسئلة وليس بإصدار التعليمات والأوامر؛ حيث سيقاوم الكوتش المتميز غريزته المتمثلة في حب إصدار الأوامر، ويُركِّز بدلاً من ذلك على طرح الأسئلة الصحيحة، والإصغاء، وتشجيع اكتشاف الذات، وإثارة التحدي في نفوس الموظفين للتعلم والإنجاز.
بالإضافة إلى ذلك، يُقدَّم نموذج الكوتشينغ المكون من خمس خطوات بطريقة متسلسلة لإجراء محادثة كوتشينغ كاملة، ومع ذلك، قد يتطلب كل تفاعل معين بعض المرونة لتلبية احتياجات الفرد، على سبيل المثال، إذا كان الهدف وخطوات التقييم مفهومَين مسبقاً، فالنهج الأفضل هو قضاء المزيد من الوقت في تقديم تغذية راجعة تُركِّز على السلوك، وتحديد الإجراءات المستقبلية.
5 خطوات لتقديم الكوتشينغ:
1. تحديد الغاية
يجب أن يبدأ أي تفاعل كوتشينغ بغاية واضحة، وتكون هذه الغاية عادةً إحدى ثلاثة أنواع من المحادثات: التطويرية (تحسين نقاط القوة)، والمهنية (التحضير لدور آخر)، أو التي تتعلق بالأداء (التغلب على العقبات أو التعامل مع فجوات الأداء)، ولتوضيح هذا الهدف أو الغرض من المحادثة، اطرح على المتدرب هذه الأسئلة:
- ما الذي ترغب في تحقيقه بحلول نهاية هذه المحادثة؟
- كيف يبدو لك النجاح عندما ننتهي اليوم؟
- ما الذي ترغب في تحقيقه من قضاء وقتنا معاً؟
من الهام أن تسأل عن هذه الغاية وتؤكد عليها حتى يكون هناك تفاهم واتفاق متبادل، فقد يكون الاتفاق المتبادل صعباً عند وجود فجوة في الأداء، ولكن هذه هي الخطوة الأولى في إنشاء محادثة كوتشينغ ناجحة وواضحة قدر الإمكان منذ البداية.
2. الفهم من خلال التقييم
هذه خطوة أساسية في أي محادثة كوتشينغ وتتطلب من الكوتش طرح أسئلة عميقة، والإصغاء، وتقبُّل الصمت، ورؤية الموقف من خلال وجهات نظر متعددة، فقد يفترض القادة أنَّهم يفهمون الموقف بالفعل أو يظنون أنَّ لديهم كل الحقائق.
ومع ذلك، إنَّ طرح أسئلة مفتوحة، ومن ثم أسئلة استقصائية، أمر بالغ الأهمية لإنشاء بيئة آمنة ودقيقة وإيجابية تساعد المشاركين في الكوتشينغ على التحدث بصراحة واكتشاف الذات والعمل بفاعلية مع الكوتش.
للمساعدة على إجراء خطوة التقييم هذه، اطرح هذه الأسئلة، ولكن ضع في حسبانك أنَّ هذه الأسئلة تختلف بناءً على هدف المحادثة:
- عدِّد ثلاثة أمور تعلمتها من المشروع السابق؟
- عدِّد ثلاثة أمور ستفعلها فعلاً مختلفاً في المستقبل؟
- عدِّد ثلاث مهارات تتعلمها بنشاط لتطوير نفسك من أجل أدوار مستقبلية؟
من الهام إبقاء أسئلة التقييم مفتوحة وخالية من الكلمات المحفزة أو الإرشادية مثل "لماذا" (تُثير الشعور بالدفاع)، أو "صحيح" (خاصة في نهاية الجملة).
تعرَّف أيضاً إلى تاريخ المتدربين السابق، ولكن اقضِ المزيد من الوقت في مساعدتهم على الاستعداد للمستقبل، فقد يستغرق وصف الماضي الذي لا يمكنك تغييره الكثير من الوقت الثمين، لكنَّ المستقبل لم يأت بعد، وهو مفتوح على كل الاحتمالات.
3. تقديم تغذية راجعة
توفر هذه الخطوة الفرصة للكوتش لمشاركة ملاحظاته مع المتدربين، ومع أنَّ التغذية الراجعة قد تكون تجربة إيجابية وتعليمية، إلا أنَّها قد تصبح ضارة إذا لم تُدار إدارةً جيدةً، وفي دور الكوتش، من الهام السماح للآخرين بتحديد مجالات تركيزهم كلما أمكن ذلك.
ومع ذلك، يُعدُّ سماع ملاحظات الكوتش واقتراحاته القائمة على الحقائق مصدراً غنياً لزيادة الوعي الذاتي ورؤية الأفكار الجديدة؛ لذا اربط التغذية الراجعة بهدف المحادثة، وركِّز على السلوك وليس تفسيرك الخاص له، وشدِّد على تأثيره في إعاقة المتدربين أو مساعدتهم على تحقيق النتائج المرجوة للشركة وللموظفين، وضع في حسبانك الإدلاء بهذه الأنواع من العبارات:
- لقد ساعدت الطريقة التي قدمت بها العرض التقديمي الجميع على فهم ضرورة اتخاذ إجراء والالتزام به (تعليق إيجابي يؤكد على التأثير).
- لقد أشرق وجهك عندما تحدثت عن كذا وكذا، أخبرني المزيد عما تجده ممتعاً في هذه الأشياء (ملاحظة الكوتش لإشارات المتدرب غير اللفظية).
- عندما تتأخر عن الموعد النهائي، فإنَّك تخذل فريقك، فما الذي يمكنك فعله لضمان عدم حدوث ذلك مرة أخرى؟ (تغذية راجعة بنَّاءة تُركِّز على السلوك والتأثير).
4. تحديد الأهداف
إنَّ تحديد الهدف هو الوقتُ الذي يتحول فيه التقييم والتغذية الراجعة إلى إجراء لتحقيق الغرض من المحادثة، وهو خطوة هامة في مساعدة المتدرب على المضي قدماً وتحقيق نتيجة إيجابية.
وجِّه المتدرب لاختيار هدف قابل للقياس من شأنه إثارة التحدي فيه وحثه على بذل المزيد من الجهد شريطة أن تكون فرصة تحقيقه 50٪ على الأقل؛ إذ قد يؤدي اختيار هدف فرصة نجاحه منخفضة إلى عدم تفاعل المتدربين؛ لذا اجعل أيضاً عدد الأهداف والإجراءات المترتبة على تحقيقها قليلاً (هدف واحد مع 2-3 إجراءات) لضمان التركيز، وتأكد من مناقشة كيف ستدعم هذه الإجراءات تحقيق النتائج الإجمالية للشركة، وفيما يلي أمثلة عن الأسئلة التي يمكنك طرحها خلال هذه الخطوة:
- سمِّ ثلاثة إجراءات مُحدَّدة سوف تساعدك على النجاح؟
- متى ستنجز هذه الإجراءات؟
- كيف تتوافق هذه الإجراءات المُحدَّدة مع أهداف الأداء العامة؟
5. متابعة الدعم
تضمن هذه الخطوة الأخيرة المساءلة، وتوفِّر التشجيع للمتدربين عندما يصلون إلى أهدافهم، ولسوء الحظ، غالباً ما ننسى هذه الخطوة أو لا نُقدِّرها كما يجب، وتُعدُّ متابعة أهداف المتدربين المتفق عليها أمراً بالغ الأهمية للتأكد من تنفيذ الإجراءات؛ حيث يُظهر الكوتش المتميز مهارتين في سبيل تحقيق هذه الغاية:
1) إدراك التقدم والفوز.
2) تشجيع المشاركين على اجتياز العقبات وتأمين التوجيه اللازم للنجاح.
هاتان المهارتان ضروريتان لتنفيذ ودعم خطط العمل، وفيما يلي بعض الأسئلة التي يمكنك طرحها خلال هذه الخطوة في عملية الكوتشينغ:
- من سيدعمك لتحقيق أهدافك ويحتفل معك عند تحقيقها؟
- ما هي العوائق المحتملة التي قد تمنعك من تحقيق أهدافك؟
- متى سنتابع مرة أخرى للتحقق من تقدمك؟
في الختام: الكوتشينغ الرائع هو أصل القيادة القوية
قد تحدث لحظات التعلُّم طوال الوقت، وينتهز الكوتشز العظماء، ومن ثم القادة العظماء تلك اللحظات، ويمتلكون الشجاعة لطرح الأسئلة والاستماع وتحويل الأفكار إلى أفعال، كما هو حال التنفس بالنسبة إلى الغناء، إنَّ الكوتشينغ المؤثر هو أصل القيادة المؤثرة؛ فاستخدم هذه الخطوات الخمس لبناء مهاراتك في الكوتشينغ، وتطوير موظفيك، وتحقيق نتائج مذهلة للشركة والموظفين.
أضف تعليقاً